رحل محمد القباني و بقي الجبل الشامخ
نعم رحل ..لم يكن الرحيل مفاجئاً في الأسابيع الأخيرة ..بل الانتكاسة الأخيرة قبل أسابيع هي الصدمة ..ولكن أبا توفيق لم يكن مصدوماً مثلنا ..لم يكن مدهوشاً مثلنا ..لم يكن عاجزاً مثلناً ..كان يقاتل وهو صامت..يضرب عدوه وهو يمارس الصمود و التفاؤل ..!
قالها لي و قالها لكل الذين مرّوا أو حاولوا أن يمرّوا من أمامه : السرطان مرض تافه ..! كنت أنظر إليه ..أصمت ..أحدّق..و أسرح ..إذا كان السرطان تافهاً فما هو المرض الخطير ..؟ كنتُ أحب تمسّكه بالحياة ..ليس تمسّك من يريد أن يعيش و حسب ..بل تمسّك من يريد أن يجعل الآخرين يعيشون ..!
ما زال يدندن في أذني ..وما زالت كلماته الأخيرة لي لا تغادرني : أتعبنا الوطن يا أبا وطن ..! اعتقد أن لقائي التلفزيوني به في برنامجي "تنفيس" هو آخر لقاء تلفزيوني ..واعتقادي هنا غير جازم ..ولكن ما أجزم به ..إنه الأكثر دفئاً..الأكثر إنسانيّة ..بل الأكثر دموعاً و شفافيةً ..!
يومها بكى على الهواء أكثر من مرّة ..و ابتسم عشرات المرات ..حدثني عن الحياة برائحة محمد القباني الذي يفهم الحياة حبّاً و فنّاً و موقفاً ..! نعم (موقفاً) ..لذا كان ملتزماً ..لم ينطنط هنا وهناك ..ظلمته المراهقات الصغيرة و الكبيرة و التي رفض أن يدخل بها ..وهي لم تفسح الطريق له لكي يحقق أغلب ما يريد ..!
صحيح أن الموت فراق ..ولكن من ترك هذا الالتزام وهذا الارث و هذا الفن فإنه سيبقى على اتصال لمن أراد أن يتصّل و يتواصل ..رحمك الله أبا توفيق ..دخلتَ قلوبنا بهدوء و رحلت بهدوء ..أفرحتنا عندما أتيت و آلمتنا عندما رحلت ..!!