الطفيلة.. أزمة الشعارات مجددا
فهد الخيطان
جو 24 : قبل أربعة أشهر تقريبا، وقعت أزمة مماثلة في الطفيلة وحيها في عمان؛ شبان رفعوا شعارات تجاوزت الخطوط الحمراء، فجرى توقيفهم. كما تم اعتقال عدد من المتضامنين تظاهروا عند الدوار الرابع. وبعد أسابيع من الوساطات والفعاليات التضامنية، أفرج عن الموقوفين بكفالة.
المشكلة الحالية في الطفيلة لا تختلف عن سابقتها، اللهم في المضمون المنفر للشعارات التي خرجت هذه المرة عن أخلاق وتقاليد المجتمع. فيما عدا ذلك، فإن طريقة الحكومة في المعالجة، وردود الفعل عليها في الشارع الحراكي والسياسي، تبدو نسخة كربونية عن الأزمة الأولى.
لنضع جانبا التفاصيل والوقائع اليومية للحدث، ونتأمل في السؤال التالي: في الفترة الفاصلة بين الأزمتين، ماذا فعلت أجهزة الدولة لتجنب تكرار المواجهة والشعارات المرتفعة؛ وللدقة أكثر، الانحدار في مستوى الشعارات إلى حد الإساءة والتجريح الشخصيين؟
في الواقع، لم نشهد أي تغيير في السلوك الرسمي تجاه الحراك في الطفيلة أو في غيرها من المناطق. ظلت المقاربة الأمنية هي السائدة والناظمة للعلاقة بين الدولة والحراك. لم نسمع عن جلسة حوار بين ساسة في الدولة والنخب الشبابية لمناقشة الهموم العامة، ورؤية الدولة الإصلاحية وملاحظات الحراك عليها، وتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، وفرص التجسير بين المواقف. لقد أنكرت الدولة وجود طرف آخر في المجتمع، وتصرفت على هذا الأساس. وفي اعتقادي، هذا هو السبب الرئيس لخطاب الحراك المنفعل؛ سياسة الإقصاء عززت الميول المتطرفة في أوساط الشباب، خاصة في مدن مثل الطفيلة تعاني أصلا من التهميش التنموي والاقتصادي.
لا يختلف اثنان على أن عملية الإصلاح تواجه خطر الإفلاس بعد سلسلة من التراجعات المنظمة، ولم يبق من معالمها سوى بعض المظاهر، من بينها حرية الناس في الاجتماع والتظاهر. واحترام الدولة لهذا الحق على إطلاقه جنب الأردن مواجهة بين الحكم والشعب، على غرار ما حصل في دول عربية أخرى. لكن هذه الميزة على أهميتها، تفقد قيمتها مع مرور الوقت، عندما تصبح حرية التعبير مجرد عملية تنفيس لا تحقق التغيير المطلوب.
"دع الناس يقولون ما يريدون إلى أن يصابوا بالملل، ويقبلوا بالمتاح من الإصلاحات"؛ تلك هي المقاربة التي بنت عليها الدولة موقفها من الحراك السياسي في الأشهر الأخيرة. لكن حساب السرايا لم يطابق حساب القرايا كما يقال؛ ففي مواجهة حالة التجاهل من قبل المؤسسات الرسمية، أخذت شعارات الحراك منحى تصاعديا، في محاولة على ما يبدو لقهر حالة الملل التي أصابت الشارع السياسي مؤخرا، واستفزار أصحاب القرار بشعارات لا تزعجهم وحدهم، بل وتقض مضاجع المجتمع برمته.
الطفيلة ليست الاستثناء الوحيد؛ ففي كل المناطق نشهد هتافات وشعارات تخرج عن المألوف، لم تفلح الحلول الأمنية في السيطرة عليها.
الدولة أمام خيارين لا ثالث لهما: مراجعة سياساتها ونهجها الإصلاحي لاحتواء الغضب، ووقف كل أشكال التمادي على رموز الدولة وهيبة المؤسسات؛ أو اعتماد الحل الأمني بشكل قاطع لإسكات أصحاب الأصوات العالية، بكل ما يترتب على ذلك من توسيع لدائرة الاعتقالات والمحاكمات، والتنازل عن الميزة النسبية لحرية التعبير، والاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات. فماذا نختار؟"الغد"
المشكلة الحالية في الطفيلة لا تختلف عن سابقتها، اللهم في المضمون المنفر للشعارات التي خرجت هذه المرة عن أخلاق وتقاليد المجتمع. فيما عدا ذلك، فإن طريقة الحكومة في المعالجة، وردود الفعل عليها في الشارع الحراكي والسياسي، تبدو نسخة كربونية عن الأزمة الأولى.
لنضع جانبا التفاصيل والوقائع اليومية للحدث، ونتأمل في السؤال التالي: في الفترة الفاصلة بين الأزمتين، ماذا فعلت أجهزة الدولة لتجنب تكرار المواجهة والشعارات المرتفعة؛ وللدقة أكثر، الانحدار في مستوى الشعارات إلى حد الإساءة والتجريح الشخصيين؟
في الواقع، لم نشهد أي تغيير في السلوك الرسمي تجاه الحراك في الطفيلة أو في غيرها من المناطق. ظلت المقاربة الأمنية هي السائدة والناظمة للعلاقة بين الدولة والحراك. لم نسمع عن جلسة حوار بين ساسة في الدولة والنخب الشبابية لمناقشة الهموم العامة، ورؤية الدولة الإصلاحية وملاحظات الحراك عليها، وتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، وفرص التجسير بين المواقف. لقد أنكرت الدولة وجود طرف آخر في المجتمع، وتصرفت على هذا الأساس. وفي اعتقادي، هذا هو السبب الرئيس لخطاب الحراك المنفعل؛ سياسة الإقصاء عززت الميول المتطرفة في أوساط الشباب، خاصة في مدن مثل الطفيلة تعاني أصلا من التهميش التنموي والاقتصادي.
لا يختلف اثنان على أن عملية الإصلاح تواجه خطر الإفلاس بعد سلسلة من التراجعات المنظمة، ولم يبق من معالمها سوى بعض المظاهر، من بينها حرية الناس في الاجتماع والتظاهر. واحترام الدولة لهذا الحق على إطلاقه جنب الأردن مواجهة بين الحكم والشعب، على غرار ما حصل في دول عربية أخرى. لكن هذه الميزة على أهميتها، تفقد قيمتها مع مرور الوقت، عندما تصبح حرية التعبير مجرد عملية تنفيس لا تحقق التغيير المطلوب.
"دع الناس يقولون ما يريدون إلى أن يصابوا بالملل، ويقبلوا بالمتاح من الإصلاحات"؛ تلك هي المقاربة التي بنت عليها الدولة موقفها من الحراك السياسي في الأشهر الأخيرة. لكن حساب السرايا لم يطابق حساب القرايا كما يقال؛ ففي مواجهة حالة التجاهل من قبل المؤسسات الرسمية، أخذت شعارات الحراك منحى تصاعديا، في محاولة على ما يبدو لقهر حالة الملل التي أصابت الشارع السياسي مؤخرا، واستفزار أصحاب القرار بشعارات لا تزعجهم وحدهم، بل وتقض مضاجع المجتمع برمته.
الطفيلة ليست الاستثناء الوحيد؛ ففي كل المناطق نشهد هتافات وشعارات تخرج عن المألوف، لم تفلح الحلول الأمنية في السيطرة عليها.
الدولة أمام خيارين لا ثالث لهما: مراجعة سياساتها ونهجها الإصلاحي لاحتواء الغضب، ووقف كل أشكال التمادي على رموز الدولة وهيبة المؤسسات؛ أو اعتماد الحل الأمني بشكل قاطع لإسكات أصحاب الأصوات العالية، بكل ما يترتب على ذلك من توسيع لدائرة الاعتقالات والمحاكمات، والتنازل عن الميزة النسبية لحرية التعبير، والاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات. فماذا نختار؟"الغد"