2024-11-20 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

نايف يا زوبعة الجنوب الأبية..

ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : لغبار الجنوب شعاع؛ مهما حاول المبتلى به أن يخفيه يسطع، وهذا الرجل العاصفة الجنوبية كان ثورة هادئة، يشتعل قلبه بحرائق المحبة والخوف على الوطن، ويهتف بسره هتافا لا يسمعه الناس علانية، إلا حين يكونون على مقدار ما من «جنوبية» أصيلة..
لا بدايات لمعرفتي أو علاقتي بالذي سافر الى ربه على جناح معرفة تدنو من اليقين..
قبل حوالي 15 عاما التقيته في أمانة عمان، وجذبني ذياك الغبار الجنوبي الذي يلفه، فوجدت نفسي أتعامل مع رجل طاعن في إخفاء حرارة الجنوب، بارع في صرفها في بنك محبة الوطن والناس، وبعد أن أصبحنا زملاء في جريدة الدستور كان نايف المعاني وجها أكثر ألفة في صباحات الدستور، وكنت أرى بيدر الغبار الجنوبي في هيئة صحفي، لم يتخل عن جنوبيته في دروب عمان، لكنه برع في تدجينها حبا في الناس وفي الوطن..
حضر يوما الى منزل شقيقي محمد في طبربور، وتناول طعام الإفطار في رمضان، وبعد أن شعرت بغيابه عن الحشد، فوجئت بأنه يغرق مع شقيقي الأكبر محمود في جلسة اجترار للذاكرة الجنوبية المتخمة بغبار مناجم الفوسفات، ثم فهمت لماذا سألني عن شقيقي محمود: هل ذاك الرجل الأشيب شقيقك؟ فقلت نعم هو شقيقي الأكبر، ويملك من الشيب ما تملك لكنه لا يصبغ شعره، وبعد أن رأيته يتحدث مع شقيقي بلغة جنوبية لا «شية» فيها، فهمت أن علاقة قديمة تربطهما، لكنه أفصح: كنا زملاء في مناجم الفوسفات في نهاية سبعينيات القرن الماضي قبل أكثر من 35 عاما.. لكن نايف كان شخصا مختلفا في تلك الجلسة، نزع عمان بشكل كامل عن شخصيته ولهجته واهتماماته، وقال إن زميلنا وصديقنا الساخر «يوسف غيشان» كان معنا يعمل في تلك المناجم، وتحدثا عن الغبار والتراب الذي نقدس طهره حين يثور جنوبيا بحرارة لا يشعر بدفئها إلا جنوبي..
قلما كان يختلف نايف مع الزملاء، لكنه وتحت وطأة الغضب من زميل تجمعني به علاقة «قرية» جنوبية، حملني يوما رسالة ثقيلة للزميل، ولم أقم بنقلها حتى اليوم لأنني أعلم بأنها خرجت من جنوبي غاضب على جنوبي، وهذه واحدة من أساليب إطفاء الحرائق في الجنوب، وهي طريقة لا يعرفها المختصون في إطفاء الحرائق، لكن نايف يعرفها، كما كان يعلم تماما بأنني لن أنقل رسالته الغاضبة..
كتبت مقالات كثيرة عن الحوادث والأخبار الأمنية، وكان نايف هو أحد مصادري الموثوقة، وفي إحدى مقالاتي المنشورة في هذه الزاوية بتاريخ 25 آذار 2010، وبعنوان حادث تصادم، ذكرت نايف المعاني فيها أكثر من مرة، كما ذكرته في غيرها، لكنه كان دوما يفاجئني بهاتف يتحدث فيه عن مقالاتي ومدى اهتمام المتابعين الإعلاميين الأمنيين فيها، وكنت أفهم بأنه يشجعني على الكتابة على هذه الطريقة، وهو الأمر الذي كان يصرح به أحيانا..
رحل نايف بطريقة صريحة، كتب خبرها لنا جميعا قبل موعد سفره بساعات، وكان خبر رحيله هو آخر خبر كتبه نايف، وصدح به على الملأ كما ظهر في نهاية آخر إطلالة له على شاشة تلفزيون الحقيقة..
نايف الجنوبي، صادق، لم يتخل عن جنوبيته الصادقة، شرع منذ زمن في رحلة عمانية، وأعلن بنفسه نهايتها والعودة الى حضن الجنوب الحر، ولن أتحدث على طريقة المتحدثين عن راحلين لم ينصفوهم حقهم حين كانوا بينهم، ولن أبك رحيله لكنني لا أخفي وجع قلبي وهول المفاجأة برحيله، ثم هول ما صرح به قبل ساعات من الرحيل، وهو بذلك ذكرني برحيل شبيه لحبيبنا «حبيب الزيودي»، والذي عاش او علم بآخر ساعات حبيب الزيودي قبل رحيله يدرك ما وجه الشبه بين الفاجعتين ..
سنتذكر بأنه كان يدافع عن الوطن، هذا الذي كان يضع الميكروفون على صدره ويجلس على ذلك الكرسي الدوار، وسوف نتذكر دوما أن الرأس لا يقطعها إلا خالقها، ونتذكر إيمان ويقين المؤمنين بالأردن، وسوف نتذكر الشجاع الذي واجه المنية واثقا مؤمنا بقضاء الله وقدره..
سوف نتذكر بأن غبار الجنوب وعواصفه أكثر خيرا على الوطن من كل المنخفضات الجوية..
فنم قريرا يا نايف يا زوبعة الجنوب الأبية، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ibqaisi@gmail.com

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير