صناعة التطرف
جهاد المحيسن
جو 24 : ردود الأفعال الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي، على الفيلم المسيء للرسول الكريم تعبر عن مدى الغضب من السياسات الأميركية في المنطقة التي لم تجلب سوى المعاناة والموت والاستغلال، فتنامي التطرف في العالم العربي، على الأقل، ليس مرتبطا بفشل الدولة وحدها في الوفاء بمهماتها، بل بسياسات الهيمنة الإمبراطورية الغربية والاحتلال الأميركي للعراق وافغانستان والحرب الدائرة الآن على سورية.
لكن تلك الردود الغاضبة على الفيلم المسيء، وما تبعها من عنف دموي أودى بحياة السفير الأميركي في ليبيا، وبعض أعضاء القنصلية في بنغازي، لا تعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام ولا لرسوله الكريم الذي جاءت من الله نصرته وليس من البشر الضعفاء عندما قال الله تعالى "إنا كفيناك المستهزئين"، لكنّ ثمة تيارا يتنامى وبقوة يحاول جر المنطقة إلى مربع العنف، ويخدم بطريقته الخاصة المشروع الكولنيالي في المنطقة.
من المعروف أن مفهوم ''الدولة الفاشلة'' مفهوم جديد ظهر عام 1995؛ ويعرّف الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي تدمر فيها مؤسسات الحفاظ على النظام، فتنتشر الفوضى وتصبح البلاد والناس نهبا لكل صاحب قوة سياسية أو عسكرية منظمة، أو حتى غير منظمة كالمجرمين واللصوص، فيلجأ الناس فيها، أفرادا وجماعات، لوسائلهم البدائية للحفاظ على أمنهم المطلق حتى لو دخلوا في حروب مع جيرانهم وأبناء جلدتهم.
هذا المفهوم قد وجد تعبيراته في الحالة اللبنانية وكذلك في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وما يزال المشهد حاضرا وبقوة في ليبيا ما بعد التحرير من هيمنة دكتاتور ليبيا، فليبيا الآن تعيش فراغا أمنيا كبيراً، وأصبحت فوق ذلك تصدّر المقاتلين إلى باقي الدول في المنطقة لتحريرها من هيمنة الدكتاتوريات وإبدالها بدكتاتوريات دينية متطرفة!
لقد ساهم ربيع العرب غير الناضج بعد في تفكيك بنى المجتمع في بعض المناطق، وخصوصا في ليبيا، وأعادها إلى مجتمعات ما قبل الدولة، وساهم الربيع العربي وتحالفات الغرب مع بعض التيارات الدينية في صعود التيارات الدينية المتطرفة في غير مكان من العالم العربي.
وفي هذا السياق الذي يؤسس لولادة التطرف، كانت الحالة العراقية النموذج المثالي الذي يمكن محاكاته في أكثر من مكان، فالعراق لم يعرف وجودا للتطرف الديني، على الأقل بصورة القاعدة وغيرها من التنظيمات الدينية الشيعية والسنية، وكان السبب الرئيسي لنمو ظاهرة التطرف هو الاحتلال الأميركي للعراق وقبله أفغانستان وتسهيل مهمة المقاتلين المتشددين في ليبيا وسورية في مرحلة لاحقة.
التطرف المرتبط بالفرق الدينية السلفية المتعصبة لم يكن وليد الصدفة، بل هو جاء نتيجة طبيعية لسياسة الاحتلال والتحالف مع بعض القوى المتطرفة دينيا لتحقيق مكاسب سياسية تخدم الاستراتيجيات الأميركية والغربية، وكذلك ساهم ما يتم بثه من دعاية مضادة للإسلام في الغرب، في تصاعد صناعة التطرف وزوّد أنصار هذا التيار بالشرعية الكاملة لوجودهم ومهماتهم.
Jihad.almheisen@alghad.jo
(الغد)
لكن تلك الردود الغاضبة على الفيلم المسيء، وما تبعها من عنف دموي أودى بحياة السفير الأميركي في ليبيا، وبعض أعضاء القنصلية في بنغازي، لا تعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام ولا لرسوله الكريم الذي جاءت من الله نصرته وليس من البشر الضعفاء عندما قال الله تعالى "إنا كفيناك المستهزئين"، لكنّ ثمة تيارا يتنامى وبقوة يحاول جر المنطقة إلى مربع العنف، ويخدم بطريقته الخاصة المشروع الكولنيالي في المنطقة.
من المعروف أن مفهوم ''الدولة الفاشلة'' مفهوم جديد ظهر عام 1995؛ ويعرّف الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي تدمر فيها مؤسسات الحفاظ على النظام، فتنتشر الفوضى وتصبح البلاد والناس نهبا لكل صاحب قوة سياسية أو عسكرية منظمة، أو حتى غير منظمة كالمجرمين واللصوص، فيلجأ الناس فيها، أفرادا وجماعات، لوسائلهم البدائية للحفاظ على أمنهم المطلق حتى لو دخلوا في حروب مع جيرانهم وأبناء جلدتهم.
هذا المفهوم قد وجد تعبيراته في الحالة اللبنانية وكذلك في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وما يزال المشهد حاضرا وبقوة في ليبيا ما بعد التحرير من هيمنة دكتاتور ليبيا، فليبيا الآن تعيش فراغا أمنيا كبيراً، وأصبحت فوق ذلك تصدّر المقاتلين إلى باقي الدول في المنطقة لتحريرها من هيمنة الدكتاتوريات وإبدالها بدكتاتوريات دينية متطرفة!
لقد ساهم ربيع العرب غير الناضج بعد في تفكيك بنى المجتمع في بعض المناطق، وخصوصا في ليبيا، وأعادها إلى مجتمعات ما قبل الدولة، وساهم الربيع العربي وتحالفات الغرب مع بعض التيارات الدينية في صعود التيارات الدينية المتطرفة في غير مكان من العالم العربي.
وفي هذا السياق الذي يؤسس لولادة التطرف، كانت الحالة العراقية النموذج المثالي الذي يمكن محاكاته في أكثر من مكان، فالعراق لم يعرف وجودا للتطرف الديني، على الأقل بصورة القاعدة وغيرها من التنظيمات الدينية الشيعية والسنية، وكان السبب الرئيسي لنمو ظاهرة التطرف هو الاحتلال الأميركي للعراق وقبله أفغانستان وتسهيل مهمة المقاتلين المتشددين في ليبيا وسورية في مرحلة لاحقة.
التطرف المرتبط بالفرق الدينية السلفية المتعصبة لم يكن وليد الصدفة، بل هو جاء نتيجة طبيعية لسياسة الاحتلال والتحالف مع بعض القوى المتطرفة دينيا لتحقيق مكاسب سياسية تخدم الاستراتيجيات الأميركية والغربية، وكذلك ساهم ما يتم بثه من دعاية مضادة للإسلام في الغرب، في تصاعد صناعة التطرف وزوّد أنصار هذا التيار بالشرعية الكاملة لوجودهم ومهماتهم.
Jihad.almheisen@alghad.jo
(الغد)