أزمة وقود وأزمات أخرى
نشرت "الغد" على صفحاتها خبرين: الأول، يتحدث عن أزمة محروقات في مدينة عجلون، وخاصة في مادتي الكاز والسولار؛ والثاني، تحذير رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات والتوزيع فهد الفايز، من أزمة حقيقية في قطاع المحروقات إذا ما استمر الطلب من قبل المستهلكين على ما هو عليه! والسبب في ذلك، كما يعزوه نقيب أصحاب محطات المحروقات، هو الحكومة التي أسهمت بدرجة كبيرة في إحداث هذه الأزمة، بسبب تصريحاتها المتواصلة عن رفع أسعار المحروقات.
إذن، الأزمة لم تكن وليدة الصدفة، بقدر ما هي نتيجة لسياسات الحكومة التي خرجت عن مسارها الذي رُسم لها، وهو إجراء الانتخابات البرلمانية وفق معايير تعيد الثقة بالعملية الانتخابية التي شابها الكثير من الأخطاء في السنوات السابقة. تعاملت الحكومة الحالية مع القضايا الاقتصادية المصيرية المتعلقة برفع الأسعار، مما أفقدها الثقة في الدور الذي ستقوم به بإجراء انتخابات نظيفة لا تشوبها شائبة.
هذه الأزمة الخطيرة وضعت الحكومة في موقف حرج أمام المواطن الذي فقد الثقة بكل المؤسسات الحكومية، وبدأ يتململ من حجم الضغط الذي سيواجهه نتيجة لهذه السياسات التي ستحاربه في مصدر رزقه. ولذلك لجأ هذا المواطن إلى الدفعات البسيطة لتحقيق وفر بسيط في مواجهة المد القادم لرفع الأسعار، وبدأ يخزن الكاز والسولار والغاز كرد فعل طبيعي على تصريحات الحكومة المتوالية عن رفع الأسعار. وهكذا لم تعد مصفاة البترول تحتمل هذا الضغط الهائل عليها، فتولدت الأزمة التي طالت أغلب المحطات في الأردن، وطالت أيضا مادة البنزين "أوكتان 90". والظاهرة ليست في عجلون وحدها، بل في أغلب محطات الوقود في الأردن.
وبحسب الفايز، فإنه نتيجة لعدم قدرة أسطول "المصفاة" على التعامل مع الحجم الهائل للطلبات، لاسيما الديزل منها، خصوصا أن أزمة الطلب رافقها انسحاب شركة ناقلة كانت تتعامل معها، فقد أدى ذلك إلى تأخر التوريد لمدة تفوق 4 وحتى 5 أيام لبعض المحطات.
لكنْ ثمة أسباب أخرى أدت إلى تفاقم الأزمة، وتتعلق بسياسة الاحتكار التي يمارسها البعض لتحقيق ربح على حساب المواطن، في ظل غياب الرقابة الحقيقية على ممارسي هذه السياسة التي يتحمل المواطن نتيجتها، رغم إعلان الحكومة المتكرر عن محاسبة من يقوم باحتكار أي نوع من السلع، وليس المشتقات النفطية وحدها.
لذلك، تولد أزمة من رحم أزمة، في حين أن من المفترض أن تقوم الحكومة ومختلف أجهزة الدولة بطمأنة المواطن، وليس دفعه إلى التهافت على السوق لتحقيق وفر بسيط. وهذه الأزمات المتعلقة بالمحروقات وغيرها من السلع الرئيسة حقيقية وليست مفتعلة من قبل الناس، ولذلك فقدت الحكومة بوصلتها في إدارة ملف الأزمة الاقتصادية التي وضعتنا فيها، والرضوخ الفوري لشروط صندوق النقد الدولي بدون مناقشة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية على المواطن، وبما يشكل تحديا خطيرا في مرحلة حساسة تتعلق بمستقبل الأردن السياسي، خصوصا وأن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، ما يفقد الحماسة تجاه الحديث الحكومي عن معايير شفافة للانتخابات!