فوضى!
جهاد المحيسن
جو 24 :
تنشط في النزاعات والأزمات المحلية والإقليمية خطابات لا يصح تسميتها إلا بـ"الفوضوية"، لأنها نابعة من تحليل ساذج وسطحي، يفتقر للمعلومات التي تؤسس لمعرفة أوسع بشأن ما يدور، ويمكن من خلاله تقديم حلول قابلة للبناء عليها.
هذه "الفوضى" تعطل مسيرة التقدم والإصلاح، وتؤزم الحالة الوطنية، أكثر من أن تساهم في حلها. لذلك، يلجأ المواطن والمثقف والسياسي إلى البحث في مصادر وتحليلات أخرى لكسر حالة الرتابة التي تُفرض عليه، ويكون طرفا مساهما فيها. ولا تقتصر هذه الرتابة والتخبط على من يتلقى المعلومة، بل يتجاوزانه إلى من يصنع القرار السياسي. فمثلا، الشارع الأردني الآن أصبح مشغولا بحدثين رئيسين: الأول، يتعلق بالحديث عن التعديل الوزاري؛ والثاني، هو المتعلق بحل مجلس النواب، ما أفسح المجال لفوضى أكبر في التحليل والاستنتاج. بل إن البعض في هذه المرحلة بدأ يرتب أوراقه بحسب ضرورات التغييرات الافتراضية المقبلة.
وفي غمرة هذه "المعمعة"، تبقى عجلة الإصلاح المفترضة في حالة سكون. وهو ما يحدث بشكل دوري في كل محاولة للتغيير على المستوى الهيكلي للمناصب في الحكومات، لينشغل الحالمون بالفرص التغييرية هذه بدورهم المنتظر.
هكذا يعاد تدوير الكراسي مرة أخرى في سياق ميكانيكي، بدون إحداث أي فرق جوهري في بنية وتفكير النظام، يمكن رصده والبناء عليه. ولعل ما حدث في مصر مؤخرا أعطى فرصة ذهبية لمن يرون أن الأمور في البلد تسير على أكمل وجه، وأن حاجتنا إلى إصلاح لم تعد حاجة ضرورية، بل على العكس؛ فقد تجاوزنا المرحلة الحرجة، وباتت الأمور على خير ما يرام.
ضمن هذا السياق الذي ينظر إلى الأمور من زاوية تجاوز الأزمة، بدأ مسلسل رفع أسعار الكهرباء، والحديث عن إلغاء الدعم عن الخبز، ورفع أسعار المياه. وكذلك مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يخفض من قيمة الإعفاءات، ويزيد النسب المفروضة على المكلفين. يضاف إلى ذلك عودة لعبة تدوير الكراسي في المناصب العامة!
هذه "الفوضى" تؤسس لردود فعل من الصعب التنبؤ بنتائجها، رغم كل التطمينات التي تقدم للمواطن. والركون إلى تراجع المد الديمقراطي في العالم العربي، والاعتقاد بأن عقارب الساعة يمكن الرجوع فيها إلى الوراء، هو اعتقاد حالم، ولا يبتعد كثيرا عن فكرة "التخبط" في رسم خط بياني واضح لمستقبل الإصلاح، والعثور على مخرج حقيقي للأزمة الاقتصادية التي نعيشها، ومحاربة الفساد الذي ما يزال يعشعش في أكثر من موقع، وبدأ ينتج أشكالا جديدة لاستمرار ديمومته.
القصة أصبحت تتجاوز كل ما يُقدم لتبرير هذه الفوضى التي يُخشى من أن تكون، في لحظة محددة لا يمكن التنبؤ بقدومها، بمثابة القشة التي تُفيض الكأس. لذا، فإن إعادة إنتاج الماضي تشكل في حد ذاتها مجازفة لا تُحتمل معها النتائج المترتبة عليها!
jihad.almheisen@alghad.jo
(الغد)
تنشط في النزاعات والأزمات المحلية والإقليمية خطابات لا يصح تسميتها إلا بـ"الفوضوية"، لأنها نابعة من تحليل ساذج وسطحي، يفتقر للمعلومات التي تؤسس لمعرفة أوسع بشأن ما يدور، ويمكن من خلاله تقديم حلول قابلة للبناء عليها.
هذه "الفوضى" تعطل مسيرة التقدم والإصلاح، وتؤزم الحالة الوطنية، أكثر من أن تساهم في حلها. لذلك، يلجأ المواطن والمثقف والسياسي إلى البحث في مصادر وتحليلات أخرى لكسر حالة الرتابة التي تُفرض عليه، ويكون طرفا مساهما فيها. ولا تقتصر هذه الرتابة والتخبط على من يتلقى المعلومة، بل يتجاوزانه إلى من يصنع القرار السياسي. فمثلا، الشارع الأردني الآن أصبح مشغولا بحدثين رئيسين: الأول، يتعلق بالحديث عن التعديل الوزاري؛ والثاني، هو المتعلق بحل مجلس النواب، ما أفسح المجال لفوضى أكبر في التحليل والاستنتاج. بل إن البعض في هذه المرحلة بدأ يرتب أوراقه بحسب ضرورات التغييرات الافتراضية المقبلة.
وفي غمرة هذه "المعمعة"، تبقى عجلة الإصلاح المفترضة في حالة سكون. وهو ما يحدث بشكل دوري في كل محاولة للتغيير على المستوى الهيكلي للمناصب في الحكومات، لينشغل الحالمون بالفرص التغييرية هذه بدورهم المنتظر.
هكذا يعاد تدوير الكراسي مرة أخرى في سياق ميكانيكي، بدون إحداث أي فرق جوهري في بنية وتفكير النظام، يمكن رصده والبناء عليه. ولعل ما حدث في مصر مؤخرا أعطى فرصة ذهبية لمن يرون أن الأمور في البلد تسير على أكمل وجه، وأن حاجتنا إلى إصلاح لم تعد حاجة ضرورية، بل على العكس؛ فقد تجاوزنا المرحلة الحرجة، وباتت الأمور على خير ما يرام.
ضمن هذا السياق الذي ينظر إلى الأمور من زاوية تجاوز الأزمة، بدأ مسلسل رفع أسعار الكهرباء، والحديث عن إلغاء الدعم عن الخبز، ورفع أسعار المياه. وكذلك مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يخفض من قيمة الإعفاءات، ويزيد النسب المفروضة على المكلفين. يضاف إلى ذلك عودة لعبة تدوير الكراسي في المناصب العامة!
هذه "الفوضى" تؤسس لردود فعل من الصعب التنبؤ بنتائجها، رغم كل التطمينات التي تقدم للمواطن. والركون إلى تراجع المد الديمقراطي في العالم العربي، والاعتقاد بأن عقارب الساعة يمكن الرجوع فيها إلى الوراء، هو اعتقاد حالم، ولا يبتعد كثيرا عن فكرة "التخبط" في رسم خط بياني واضح لمستقبل الإصلاح، والعثور على مخرج حقيقي للأزمة الاقتصادية التي نعيشها، ومحاربة الفساد الذي ما يزال يعشعش في أكثر من موقع، وبدأ ينتج أشكالا جديدة لاستمرار ديمومته.
القصة أصبحت تتجاوز كل ما يُقدم لتبرير هذه الفوضى التي يُخشى من أن تكون، في لحظة محددة لا يمكن التنبؤ بقدومها، بمثابة القشة التي تُفيض الكأس. لذا، فإن إعادة إنتاج الماضي تشكل في حد ذاتها مجازفة لا تُحتمل معها النتائج المترتبة عليها!
jihad.almheisen@alghad.jo
(الغد)