jo24_banner
jo24_banner

وداعا للأمير سمير ابن الربة

ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : أول شخص رأيته يلوذ بالتراب، ويرتدي بدلة سوداء أنيقة، ويقبله أباه ويطيل تقبيل جبينه، كان سمير ابن أبو انطون رحمه الله، كنت طفلا، غير ملتزم بمهابة الجنازة، «أتزروق» بين المشيعين، أتقدم حتى أول الجنازة ثم أعود إلى آخرها، أتفقد الوجوه الباكية، وهالني منظر الوداع على القبر، وأمضيت شهورا وأنا أفكر بسمير ابن أبو انطون ونظرة الوداع التي امتدت من حول المقبرة واتسعت لتشمل أراضي القناة والناطوف حتى الزقيبة الغربية، وما زلت أتذكرها كلما رأيت وجها من تلك الوجوه الباكية... ثم توافد الشباب الى تلك المقبرة .. احترق بيت عايد ابو حسين، فماتت واحدة من البنات، وكان المنظر الجنائزي رهيبا، وبكتها أمي كثيرا ومريرا، وأصبحت تلك المقبرة تهزني بالذكرى وتطوف أرواح ساكنيها حولي كلما مررت بتلك المنطقة.. وما زال طابور الشباب مستمرا في دخول تلك الفوهة بكامل الأناقة واللوعة.. يمرون في الذاكرة بلا ترتيب: نبيل، حسام، حسان، أيوب، وأيهم.. ثم الفتى إياد رحمهم الله جميعا. هذا الصباح ثقيل، لا أعلم ماذا أفعل، كيف أرد على مسج دامعة يكتنفها الهول واللوعة المتمثلة بماض جميل يدفن حيا !! .. هل أرد على سامي ابن مخاييل؟ ماذا أستطيع أن أقول له ؟ .... أين أميرنا الصغير سمير ! في آخر زيارة قمت بها للقرية ذهبت من فوري الى قاعة المرحوم الشيخ غانم الزريقات، معزيا أهلي بوفاة الدكتور اياد ابن بطرس رحمه الله، في الطريق وقفنا لنسلم على سامي ابن ابو جليل، فصعقني بخبر مرض سمير ابن مخاييل وعودته من أمريكا جراء المرض الرهيب، وحين خرجنا من تلك القاعة أردنا زيارة سمير في منزل شقيقه سامي، لكن شقيقهم الأكبر «سامر» قال لا تذهبوا الآن، فهو نائم، ولم نتمكن من العودة تلك الليلة لزيارته، وحال وصولي الى عمان في تلك الليلة هاتفت سامي، الذي كان يعتقد بأنني أهاتفه من القرية، فعبر عن أسفه لعدم رؤيتنا اعتقادا منه بأننا سنمكث أكثر، وقال الكثير عن الأمير سمير.. واليوم ارسل لي رسالة صادمة صارخة «أخوي ابراهيم سمير أخوي مات اليوم والدفن بكره» .. مات أخونا الصغير سمير الأمير.. هكذا كنت أناديه دوما «سمير الأمير» . أكثر من 15 عاما مضت ولم أر سمير، تزوج الأمير وغادرنا إلى أمريكا، ولم نلتق سوى سؤال عن أخبار بعضنا من خلال اخوتنا سامر وسامي ومنهل، كيف أعزيكم والشقيقات سلام وأحلام «اخلاص» ؟!!، فالأمير السمير، هو صغيرنا جميعا، دبت خطاه على شوارع الربة كأنها قفزات غزال برقتها ورشاقتها وخفتها، لم يثقل حتى على الأرض، كان لحنا بريئا رشيقا متدفقا عذوبة.. كان سميرنا أغنية طفولتنا الشقية النقية، طالما أضحكني حين كنت أقطع طريقه : معي قرش بس بدي أسحب سحبتين، وكان يضجر مني ثم لا يلبث فيضحك تلك الضحكة الجميلة، ويقول اسحب واحدة الآن، وبس أنفقها كلها بعطيك آخر «بلون» دون سحب، بس أنفقها كلها بجيبلك واحد.. وكنت أستلم «البلون» وأنفخه بأقصى ما يمكن، ثم نتناوب أنا وسمير من يفقعه أولا، والسبب هو رغبتي في رؤية ضحكات سمير وانفعالاته حين يفقع البلون، يا ألله كم كنا نستمتع مع الرفقة على «راس الشارع» . سأذهب اليوم الى أميرنا، وسوف أرافقه من كنيسة الربة وحتى المقبرة، وسأنتقل «زمنيا» الى ما قبل انطلاق طابور شباب الزريقات الى تلك المقبرة، سأجمع لحن الوداع الذي تكتنزه ذاكرة طريق المقبرة، وأحتفظ به لمستقبل قاس معتم، وسوف أكتفي فيه بنور وجوه وقلوب الذين غادرونا رغما عنا وعنهم.. أيها الأمير: هل بقي «بلّون» في السحبة؟ هل ستقف على باب القبر ضاحكا مستبشرا مستعدا لنفخ وفقع آخر البلونات في سحبة كانت وستبقى مستودعات ذاكرة طاهرة، تضج بسجايا وطهر قلوب كل من رحلوا و «نفخوا» في حياتنا المحبة والدفء، ثم فقعوا بصوت ووداع مدوٍّ يفوق صوت بلون رقم عشرة ..آه على أمير غادرنا وأخذ معه أغنيات جميلة من خير جيرة وأطهر عِشرة.. ِعشرة ما هانت ولن تهون ما دام بيننا أشقاء وشقيقات زريقات ومن بيت مخاييل.. أنا منذ الآن ترق أذناي لسماع صوت الجرس النحاسي الأصفر..رحمك الله أيها السمير الأمير . ibqaisi@gmail.com

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير