انطباعات من قلب المسيرة
منذ اللحظة الأولى للمسيرة، انشغل المراقبون والإعلاميون والإسلاميون، في ساحة المسجد الحسيني، في تقدير أعداد المشاركين. البعض قال إنهم بحدود عشرة آلاف، وآخرون قدروهم بنحو عشرين ألفاً، أما المنظمون فادعوا أن العدد فاق الستين ألفا.
يصعب الجزم بدقة التقديرات. لكن المتظاهرين كانوا بالآلاف، وأغلقوا الشارع من مجمع رغدان إلى "الحسيني" وصولا إلى مشارف ساحة النخيل، لكنهم لم يبلغوا الرقم الذي يقدره المنظمون.
من حيث المضمون، لم تختلف شعارات "الجمعة الكبيرة" عن تلك التي شهدناها في جمع سابقة. في بعض الأوقات، كان مشاركون من الحراكات يرفعون سقف الشعارات، لكن سرعان ما يتدخل الجمهور العريض من الإسلاميين ليطغى بهتافه: "الشعب يريد إصلاح النظام". الخطاب الرئيس في المسيرة كان للمراقب العام للإخوان المسلمين همام سعيد، والذي حدد سبعة مطالب سياسية للحركة الإسلامية. بيد أن الهدف الثامن، وربما الأول الذي حرص الإسلاميون على تظهيره، هو "إثبات الوجود"، وأنهم ما يزالون قادرين على حشد الآلاف في الشارع، لا بل وأكثر من هذه الأعداد في المرات القادمة، كما صرح قيادي في الحركة.
تقاسم الأمن العام وشباب الحركة الإسلامية المهمة الأمنية لتأمين المسيرة وحمايتها؛ نشطاء الإخوان ضربوا طوقا داخليا حول المشاركين، بينما أحاط رجال الأمن العام المسيرة من كل الاتجاهات. لم تسجل أي حوادث أمنية أو احتكاكات تذكر بين المشاركين ورجال الأمن، ولم يواجه الراغبون في المشاركة في المسيرة أي صعوبات في الوصول إلى موقع الحدث. وخلافا لما أعلن سابقا عن منع الحافلات في المحافظات من نقل المشاركين، شوهدت العشرات منها مصطفة في الشوارع الجانبية في انتظار انتهاء الفعالية.
الجسم المركزي للمسيرة كان من عمان والزرقاء بالدرجة الأولى؛ شباب من مختلف الأعمار ونساء تجمهرن في الصفوف الخلفية. اللافت في ذلك أن الحركة الإسلامية نجحت، وربما للمرة الأولى، في حشد أردنيين من أصل فلسطيني خلف برنامج الإصلاحات الداخلي، وليس لأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية كما جرت العادة في السابق. إن لهذا التحول في اهتمامات هذا المكون الرئيس في المجتمع دلالات ينبغي التوقف عندها من طرف الدولة.
شعر قادة الحركة الإسلامية أثناء المسيرة أنهم نجحوا في اختبار القدرة، وهو ما يحفزهم على تنظيم مسيرات مماثلة في الأشهر التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية المبكرة. الهدف الرئيس سيكون نزع الشرعية الشعبية عن الانتخابات، وضرب مصداقية المجلس الجديد قبل ولادته.
بعض الفاعلين في الحركة الإسلامية، ومعهم عديد من المراقبين، كانوا يتساءلون خلال المسيرة: هل يمكن أن يتغير شيء في موقف الدولة بعد المسيرة؟
ليس في نية الدولة، على ما أعتقد، التراجع عن موقفها إجراء الانتخابات، وتقديم تنازلات لإرضاء الإسلاميين أو غيرهم من الأطراف التي قررت مقاطعة الانتخابات. حل مجلس النواب عشية المسيرة كان بحد ذاته رسالة تفيد هذا المعنى؛ الدولة ماضية إلى انتخابات بداية العام المقبل، والإسلاميون في الشارع.
في موقف الطرفين قدر من المغامرة دون شك.
(الغد)