جوع مقيم ..
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : هل هذا أمر طبيعي؟! أن يصطف طابور الجياع في المخابز وفي المولات وفي كل الأسواق، يتناحرون بصمت وجهر حول حيازة المواد الغذائية «الطبيخ» ؟!.. ظاهرة لافتة لانتباه المواطن الطبيعي، الذي اعتاد أن يشتري الخبز بشكل يومي، فإذا به يقف ساعة أو أكثر من أجل كيلو خبز ..
ربما أكون من أول من كتب عن هذه الظاهرة قبل أكثر من 10 أعوام، حيث استرعى اهتمامي هذا الحشد الآدمي في المدينة، فكان أمرا جديدا بالنسبة لي، حيث لا يوجد في القرية مثل هذا الفزع الأكبر، وقد يتزود شخص بمقدار من الوقود مثلا، حين يسمع بقدوم منخفض جوي عميق، لكنه لا يمكن أن يفكر بالطوابير وال»هوشات» والتزاحم «الفج» من أجل الخبز والجاج والبندورة ..
مظاهر عجيبة غريبة تنم عن اضطراب أو سوء فهم ما، اعترى الناس فاعتقدوا بأن حظر التجول سيفرض لعدة شهور ؟ أو اقتنعوا بأن اضرابا طويلا سينفذه التجار وأصحاب المخابز يرافقه اغلاق للموانىء والحدود؟ ماذا يفهم هؤلاء القوم عند سماعهم بخبر عن منخفض جوي؟..
اسمعوا أبو صهيب ماذا يقول:
قبل 10 أيام أو أكثر قليلا، ذهبت الى أبو نصير، حيث اعتدت شراء الخضار من سوقها الذي لا أعرف اسمه حتى اليوم، فدخلت الى محل البهارات وكان أبو صهيب موجودا، والمحل مزدحم بالزبائن، فانطلقت تحيات ابو صهيب ترحيبا بي، ثم قال بلا تحفظ يذكر:
والله الحق عليكو يا أستاذ ابراهيم، وأضاف (لازم تفهموا الناس انتو صحافة والدور عليكو في توعية الناس).
وأمام انتباه الناس لكلام أبو صهيب، قلت: عن أي شأن تتحدث، فأجاب أبو صهيب: شوف بعينك يا سيدي، ويشير الى اكتظاظ الزبائن في المحل، ففهمت الأمر، وقلت:
خلي هالناس ينشغلوا بالأكل والشرب يابو صهيب، بلاش يزعجوا الحكومة، المنخفض وأخباره فرصة واستراحة محارب بالنسبة للحكومة والسياسيين والذين يلاحقهم الاعلام والشعب..
قال أبو صهيب: يا رجل فيه واحد اشترى 10 كيلو ذرة «بوشار» وضحك الناس على المعلومة وعلى اندهاش بل غضب الراوي نفسه..
أجبته: خليه يفقع بوشار لما ينسطح !
حتى محل بيع الأقراص المدمجة «السي دي» يقول صاحبه: الناس اشتروا كل السي ديات !.
إنني سعيد بأن وسائل الاعلام بدأت بالتحدث عن هذه الظاهرة السيئة، ومحاولة تقصي الأسباب النفسية التي تدفع هؤلاء للتهافت على شراء المواد التموينية وغيرها، كلما سمعوا خبرا عن شتاء غزير او منخفض قطبي أو حتى مرتفع.. أو رمضان الكريم.
هل هذا السلوك الغريزي مرده فقدان الثقة والشعور بالأمن؟ أم هو حذر أمني من قادم أسوأ؟!
هكذا كان يتساءل معي الحميدي محمد العميريين في محاولة لفهم هذا السلوك «العماني»، فأجبته بكلام لا تحمله مقالات لأنه لا يخرج الا لأشخاص يفهمونك تماما ويعلمون خلفيتك الثقافية والفكرية:
يوجد فئة من هذا الشعب انهمكت منذ نشأة الدولة بأمورها الخاصة، يخرج أحدهم من منزله كل صباح و»يضمر» الحصول على رقم، ومع تقادم الأيام أصبح جمع المال فلسفته الخاصة وهدفه الرئيس، وهذا الكائن «الكسيب» لا يشغل نفسه بأمور العامة والناس، فغايته شخصية بامتياز وهي جمع المال والعيش بسعادة، يعتقد بل يقتنع بأنها تتجلى بالطعام والشراب والعربدة بعد الشبع، وحين يسير في الشارع ويتعثر يشتم البلد والدنيا، ويتهم الدولة كلها بالفساد، ويصرخ في وجه العالم بأن ثمة مؤامرة هنا، تستهدف مناضل الطبيخ .
بقي أن أقول بأن هذا هو اليوم الثاني الذي أذهب فيه الى المخبز ولا أشتري خبزا، فالحشد غاضب، والدور تقتله ديمقراطية البغض والكراهية، وحين يقف الرجل أمام البائع يكون على هيئة «كائن» مقاتل، وجهه متورد غضبا، وقسمات وجهه متشنجة وصوته مرتفع على درجة ما من «نهيق»:
حطلي بثلث ليرات خبز !!.
الله يرحم والدي وأيام جميلة كان فيها يؤنبنا حين نتأخر عن تعليف أو سقاية «الهوايش»:
ما تخافوا من الله !
ليه ماتسقوا الهوايش وتحطولهن علف؟!. ما هو حرام عليكو !
الدستور
ربما أكون من أول من كتب عن هذه الظاهرة قبل أكثر من 10 أعوام، حيث استرعى اهتمامي هذا الحشد الآدمي في المدينة، فكان أمرا جديدا بالنسبة لي، حيث لا يوجد في القرية مثل هذا الفزع الأكبر، وقد يتزود شخص بمقدار من الوقود مثلا، حين يسمع بقدوم منخفض جوي عميق، لكنه لا يمكن أن يفكر بالطوابير وال»هوشات» والتزاحم «الفج» من أجل الخبز والجاج والبندورة ..
مظاهر عجيبة غريبة تنم عن اضطراب أو سوء فهم ما، اعترى الناس فاعتقدوا بأن حظر التجول سيفرض لعدة شهور ؟ أو اقتنعوا بأن اضرابا طويلا سينفذه التجار وأصحاب المخابز يرافقه اغلاق للموانىء والحدود؟ ماذا يفهم هؤلاء القوم عند سماعهم بخبر عن منخفض جوي؟..
اسمعوا أبو صهيب ماذا يقول:
قبل 10 أيام أو أكثر قليلا، ذهبت الى أبو نصير، حيث اعتدت شراء الخضار من سوقها الذي لا أعرف اسمه حتى اليوم، فدخلت الى محل البهارات وكان أبو صهيب موجودا، والمحل مزدحم بالزبائن، فانطلقت تحيات ابو صهيب ترحيبا بي، ثم قال بلا تحفظ يذكر:
والله الحق عليكو يا أستاذ ابراهيم، وأضاف (لازم تفهموا الناس انتو صحافة والدور عليكو في توعية الناس).
وأمام انتباه الناس لكلام أبو صهيب، قلت: عن أي شأن تتحدث، فأجاب أبو صهيب: شوف بعينك يا سيدي، ويشير الى اكتظاظ الزبائن في المحل، ففهمت الأمر، وقلت:
خلي هالناس ينشغلوا بالأكل والشرب يابو صهيب، بلاش يزعجوا الحكومة، المنخفض وأخباره فرصة واستراحة محارب بالنسبة للحكومة والسياسيين والذين يلاحقهم الاعلام والشعب..
قال أبو صهيب: يا رجل فيه واحد اشترى 10 كيلو ذرة «بوشار» وضحك الناس على المعلومة وعلى اندهاش بل غضب الراوي نفسه..
أجبته: خليه يفقع بوشار لما ينسطح !
حتى محل بيع الأقراص المدمجة «السي دي» يقول صاحبه: الناس اشتروا كل السي ديات !.
إنني سعيد بأن وسائل الاعلام بدأت بالتحدث عن هذه الظاهرة السيئة، ومحاولة تقصي الأسباب النفسية التي تدفع هؤلاء للتهافت على شراء المواد التموينية وغيرها، كلما سمعوا خبرا عن شتاء غزير او منخفض قطبي أو حتى مرتفع.. أو رمضان الكريم.
هل هذا السلوك الغريزي مرده فقدان الثقة والشعور بالأمن؟ أم هو حذر أمني من قادم أسوأ؟!
هكذا كان يتساءل معي الحميدي محمد العميريين في محاولة لفهم هذا السلوك «العماني»، فأجبته بكلام لا تحمله مقالات لأنه لا يخرج الا لأشخاص يفهمونك تماما ويعلمون خلفيتك الثقافية والفكرية:
يوجد فئة من هذا الشعب انهمكت منذ نشأة الدولة بأمورها الخاصة، يخرج أحدهم من منزله كل صباح و»يضمر» الحصول على رقم، ومع تقادم الأيام أصبح جمع المال فلسفته الخاصة وهدفه الرئيس، وهذا الكائن «الكسيب» لا يشغل نفسه بأمور العامة والناس، فغايته شخصية بامتياز وهي جمع المال والعيش بسعادة، يعتقد بل يقتنع بأنها تتجلى بالطعام والشراب والعربدة بعد الشبع، وحين يسير في الشارع ويتعثر يشتم البلد والدنيا، ويتهم الدولة كلها بالفساد، ويصرخ في وجه العالم بأن ثمة مؤامرة هنا، تستهدف مناضل الطبيخ .
بقي أن أقول بأن هذا هو اليوم الثاني الذي أذهب فيه الى المخبز ولا أشتري خبزا، فالحشد غاضب، والدور تقتله ديمقراطية البغض والكراهية، وحين يقف الرجل أمام البائع يكون على هيئة «كائن» مقاتل، وجهه متورد غضبا، وقسمات وجهه متشنجة وصوته مرتفع على درجة ما من «نهيق»:
حطلي بثلث ليرات خبز !!.
الله يرحم والدي وأيام جميلة كان فيها يؤنبنا حين نتأخر عن تعليف أو سقاية «الهوايش»:
ما تخافوا من الله !
ليه ماتسقوا الهوايش وتحطولهن علف؟!. ما هو حرام عليكو !
الدستور