jo24_banner
jo24_banner

التأمين الصحي الشامل ليس حلماً

مثنى غرايبة
جو 24 :

ربما يبدو غريباً الكتابة عن موضوع كالتأمين الصحّي الذي يطالب به الأردنيون منذ سنوات، وعلت الأصوات أكثر للمطالبة به منذ بداية الحراك والبلد منشغلة بحلّ مجلس النوّاب وشخصية رئيس الحكومة القادمة، وما إن كانت الانتخابات ستجري وفق القانون الحالي أم أنها ستؤجل، وإن كانت ستفرض حالة الطواريء في حال تم الاتفاق بين المركز الأمني والمركز الإخواني على قانون انتخاب ينفس الإحتقان السياسي الطاغي على المشهد السياسي. هذا الاتفاق ربما لن يؤدي لبناء مستشفى حكومي مدني في الطفيلة أو حتى توفير بعض الأجهزة الطبية الناقصة في المستشفى العسكري الموجود في المحافظة، هذا المطلب الذي كان الشرارة لبدء الحراك في الطفيلة في أول اعتصام نظّمه أبناؤها في آذار 2011.

حسب الخبر المنشور في صحيفة الدستور بتاريخ 21 أيلول 2011 يستفيد 70% من الأردنيين من نوع ما من التأمين الصحي، وهؤلاء المستفيدون يتوزعون بين موظفي القطاع العام المدني والعسكري وموظفي القطاع الخاص وجزء قليل من المهنيين الذين يحصلون على تأمينهم من خلال نقاباتهم. إذا إفترضنا أن عدد سكان الأردن هو 6.5 مليون تقريباً، حسب تصريحات الحكومة الأخيرة منهم مليون ونصف من غير المواطنين (هذا العدد أعلن عنه من مصادر حكومية في سياق تبرير رفع الدعم عن السلع الأساسية) وهؤلاء بالنسبة لي هم ضيوف كرام على البلد، إن كانوا من العمّال الذين يساهمون ببناء الأردن أو من اللاجئين الذين اضطروا للنزوح من بلادهم التي طالما كان لها فضل علينا، هؤلاء أيضاً من واجبنا أن نوّفر لهم الرعاية الصحية اللازمة بكلفة محتملة، ولكن من الطبيعي أن تكون أولوية الحكومة أن تؤمن المواطنين أولاً، إذن يصبح علينا أن نوفر التمويل الكافي لتأمين ما يقارب ال 1.6 مليون مواطن، فهل هذا مستحيل؟

قمت بالإتصال بشركة خاصة لمعرفة تسعيرة التأمين الصحي من الدرجة الأولى للفرد، فكانت الإجابة بأنه المعدل هو 250 سنوياً على فرض أن العرض هو لأقل من 10 أفراد، وإن كان العرض ل 10 آلاف مشترك يمكن أن يصل السعر لغاية 170 دينار سنوياً (هذا كان العرض الأولي على الهاتف دون مفاوضات ول 10 آلاف وليس 1.6 مليون مما يجعل السعر قابل للنزول أكثر بزيادة العدد ) هذا يعني أن ما يلزمنا لتأمين كل المواطنين غير المؤمنين صحيّاً تأمينا من الدرجة الأولى في مستشفيات القطاع الخاص هو 272 مليون دينار.


حسب الخبر المنشور في جريدة الغد في الأول من حزيران 2009 فإن كلفة الإعفاءات السنوية لوحدة الإعفاءات الصحية التابعة للديوان الملكي هي 137 مليون دينار وهي تقريباً نصف الكلفة المحسوبة أعلاه لتأمين الأردنيين الذين لا ينعمون بتأمين صحي في مستشفيات خاصة!! طبعاً كلفة تأمين المواطن في المستشفيات الحكومية من المفروض أنها ستكون أقل بكثير، فليس هدف المستشفيات الحكومية الربح بقدر ما هو توفير الرعاية الصحية لدافعي الضرائب، إذاً بالنظر بشكل عام للأرقام المطروحة أعلاه (والتي بالتأكيد تحتاج لدراسة أعمق للتأكد من صلاحيتها بالتفصيل) سنجد أن التأمين الصحي الشامل ليس حلماً بعيد المنال بقدر ما هو خيار متاح وقابل للتحقيق للأردنيين، كل ما نحتاجه هو إرادة وإدارة صالحة للقطاع الصحي في الأردن لنقل ما ينفق الآن من بند الإعفاء ليعود إلى أصله كونه حق طبيعي للمواطن وليس منّة من أحد.

غياب الرعاية الصحيّة للمواطنين مشكلة لا يمكن حلّها أمنياً، ولا يمكن أن تنتهي ما دام من ينجح في مجلس النوّاب يسعى لإعفاء أقاربه بدلاً من سن قانون التأمين الصحي الشامل الذي يكلف خزينة الدولة نفس ما تنفقه الآن على الإعفاءات التي تحتاج لموافقات مسبقة (طبعاً الموضوع يحتاج لدراسة دقيقة بالأرقام وخصوصاً أن غير المؤمنين هم في الفئة العمرية بين 5 سنوات و60 سنة، وهم بالفترة التي تقل فيها الحاجة إلى العلاج، ما يجعل كلفة علاجهم أقل). الخلاصة أن التأمين الصحي الشامل هو خيار ممكن ضمن الموارد المتاحة حتى قبل الكلام عن إعادة توزيع الأوليات بين الإنفاق المدني والعسكري، الذي لم يعجب حتى الأمير حسن في مقابلته على قناة رؤيا!! فلماذا الإصرار على جعل أبسط حقوق المواطن بعيدة المنال وهي ممكنة؟ لماذا يعتقل الشباب إذ يطالبون بما هو ممكن؟؟

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير