حقوق الإنسان ليست قطعة قماش وفق أحجامنا
هبة الحياه عبيدات
جو 24 :
حوادث وشواهد عديدة رفعت النقاب عن الكثير أمام رؤيتنا وتحليلنا لما يحدث على أرض الواقع؛ لتكشف ازدواجية إيماننا بالحريات والحقوق كمبادئ أساسية لا تتجزأ، وبين المناداة بهذه الشعارات لعدة أسباب منها طبيعة العمل، والآخر الرغبة بظهورنا بغطاء الحريات.
أخطاء عديدة ترتكب، بل قد يرقى البعض منها إلى أن يكون جريمة بحد ذاته، لكن هل نطبق سياسة "المعاملة بالمثل"؟
هنالك فرق كبير في تصرف بعض من الشعب المكلوم وفقاً لعواطفه الآنية، وبين سلوك دولة وناشطي مؤسسات المجتمع المدني، فالأول يغتفر، إلا أن السلوك الصادر عن الدولة والناشطين، لا يغتفر أبداً بل يكشف النقاب عن ازدواجية شعاراتنا وتطبيقها في الأزمات.
إعلان مواقف تأييد نشر صور القتلى من المجموعة المرتبطة بـ"داعش" كما أعلنتهم الحكومة، أو منح صكوك غفران للتعهدات التي وقعت من قبل أهالي القتلى وتسريبها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأسماء أهاليهم وبياناتهم، قد تخرج في سياق عاطفي من بعض فئات المجتمع، لكن الكارثة أن تخرج من منادي الحقوق والحريات، ومن مؤسسي منظمات مجتمع مدني ممن يعون تماماً أن الحقوق والحريات لا تتجزأ ولا تجتزأ؛ فهي ليست "قطعة قماش نفصلها حسب مقاسات بعضنا".
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل أخذ البعض منا بكيل الاتهامات لكل من يخالفه الرأي ليصبح في نظره ينفذ أجندات خارجية عدا عن اتهامه بوطنيته.
الانتماء والوطنية ليست هدايا أو صكوك توزع من قبل بعضنا على الآخر؛ فلا أحد أفضل من الآخر بانتمائه أو وطنيته، فكفانا جدل قائم بحد ذاته على نكران الآخر، وعدم استيعاب الرأي المخالف.
فما حدث من نشر صور قتلى "داعش"، وتسريب التعهدات بمضمونها وبيانات الأهل، ما هو إلا انتهاك صريح لمبادئ حقوق الإنسان، ويندرج في سياق "العقاب الجماعي".
وهذا لا يعني أبداً تأييد قوى "داعش" أو ممن قتلوا، لكن الحريات لا تتجزأ، والمطالبة بها يجب أن تبقى في سياق مطلق بعيداً عن "سياسة رد الفعل" أو "العواطف الآنية".