الحريات العامة في الأردن.. احتضار بلا كفن
هبة الحياه عبيدات
جو 24 :
لم يعد الحديث عن تراجع الحريات العامة في الأردن أمراً جدلياً كما في السابق؛ فالمؤشرات الأخيرة على الساحة المحلية لامست السطح بشكل واضح في انتهاكات جسيمة، بل وترقى إلى حد التغول باستخدام السلطة أحياناً.
نعم الحريات العامة تحتضر، ونكاد ندفنها بلا كفن، مع تورط صمت المجتمع المدني ومؤسساته والذي أضحى بشكل أو بآخر شريكا في جريمة انتهاكها.
الحديث عن أية قضية سياسية أو موقف قد يكيف بشكل أو بآخر وفقاً لرؤية من يسيطر على السلطة ووفقاً لتوازنات قوى داخل الأجهزة والسلطة التنفيذية، وقد يبدو هذا واضحاً بالتهم التي كيفت لعدد من الناشطين والكتاب والتي تقع في إطار حرية التعبير.
العديد من كتاب الرأي أو الناشطين، تمت إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة نتيجة مواقف وآراء عبروا عنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتكيف التهم لهم وفقاً لمواد قانونية، ما زال العديد من بنودها فضفاضا يمكن "تفصيلها" وفقا لرغبات وأهواء من يتحكم بالسلطة.
الحديث عن الحريات العامة خرج من إطار الشعارات؛ فلم نعد نلحظ حوارات متسعة بين مختلف الأطياف السياسية، والذي قد يكون مرده الإحباط الذي تجلى بشكل واضح لدى فئات المجتمع.
الصادم ليس في تراجع الحريات العامة فقط، وإنما انسحاب الأمر إلى الخوف من الحديث لدى البعض عن تراجع الحريات تخوفاً من إسقاطات أصبحت توجه لكل من يخرج عن سياق "ما يشاع في أوساط الدولة" وهي "تهمة الأجندات الخارجية" التي يعمل لصالحها،أو قد يتعداه إلى التشكيك بوطنية الأفراد إلى حد قد يرقى إلى تهم مغلفة ومكيفة وفق مقاس الشخص وأهميته.
تراجع الحريات العامة في الأردن لا يمكن فصله بشكل أو بآخر عن واقع المنطقة العربية، التي فرضت واقعاً مظلماً أصبح يشاع ويستخدم "كشماعة" من قبل السلطة ليضحى "ردة عن الإصلاح والحريات العامة" ليقف المواطن أمام خيارين ": المطالبة بالحريات، أو قبول بالوضع الحالي حفاظاً على الأمن والآمان؟"، نعم هذا ما يشاع من قبل السلطة والذي بدا واضحاً لدى العديد من قيادات السلطة على تفاوت رؤاهم.
وقد يكون الأدهى من هذا وذاك، هو قبول مؤسسات مجتمع مدني بواقع فرضته السلطة، دون الالتفات أو الوقوف والتمعن بمخاطر المسير في طريق مظلم قد يقودنا إلى حافة الهاوية، بغية الحفاظ على منافع مادية لا تخرج عن سياق "تبادل مصالح مشتركة" تقع في إطار الصمت في سبيل تمرير قرارات وسياسات يدفع ثمنها مواطنون قرروا التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم بكل حرية؛ فيما تلهث تلك المؤسسات وراء تمويل تمرره الحكومة بكل مرونة ويسر وفق المواقف التي يدفعها أصحاب تلك المؤسسات لها.
ما يجب السعي له وبشكل سريع دون التفكير بتبعاته والتخوف من الثمن الذي سيدفع؛ هو التكاتف ورفض أي ضغط سلطوي قد يضعف من الحريات العامة بشكل أوسع، وهو ما ينذر بفشل عملية الاصلاح بالمجمل بل ويتعداه إلى العودة إلى الوراء بخطى عكسية متسارعة.
لا يكفي أن تتخذ بعض التيارات أو الأفراداً مواقف فردية لإعلان تراجع الحريات العامة والتنديد بها والمطالبة بإعادة النظر بالتشريعات، لأن تلك الأصوات ستبقى عرضة للتفتيت والاندثار والاحتواء سريعاً دون النجاح في مبتغاها، فالمطلوب أن تتكاتف كافة التيارات ومؤسسات المجتمع المدني وترفع صوتها عالياً لتوقف عملية التوغل بانتهاك الحريات العامة بحجج واهية.