من الآخر.. كم ستدفعون؟
فهد الخيطان
ولم تتنبه الحكومة وهي تشن هجومها الإعلامي المكثف لكسب عقول وقلوب المواطنين، خاصة من ذوي الدخل المتدني والمتوسط، أن الحكومة السابقة خصصت الشهر الأخير من عمرها لنفس القضية، ولم ترحم المواطنين من شكواها المستمرة من العجز والمديونية وانقطاع الغاز المصري. والذي حصل في الواقع أن حكومة عبدالله النسور استلمت الشعب بعد أن "نهنهته" حكومة فايز الطراونة برسائل إعلامية مشبعة بدموع الألم والحسرة على حالنا الاقتصادي.
لكن حكومة النسور، وللإنصاف، طورت في أساليب الترويج لخطتها. فتجدها، أحيانا، تعتمد مبدأ الترويع لدب الرعب في قلوب المواطنين، في حال فكروا بالاعتراض على خطة الحكومة؛ بقولها على سبيل المثال: إن الدينار سيفقد قيمته في حال بقي الوضع على حاله. ولإضفاء مزيد من الإثارة، تلجأ إلى استخدام مصطلحات من قبيل "كارثي"، وعبارات مثل "الوضع في منتهى الخطورة" في وصف الموقف.
بيد أن أسلوبا كهذا له آثار جانبية خطيرة وكارثية أيضا على المواطن، ليس أقلها رفع منسوب "الأدرينالين" في دم الشعب لمعدلات عالية، ما يجعل الناس، ومنهم "ذوو الدخل المتدني والمتوسط"، في حالة توتر وعصبية قد تصل إلى حالة الهيجان، إذا استمرت الحكومة في قصفهم بوابل من المصطلحات الإعلامية القوية.
لكن بين الوجبات الإعلامية الثقيلة، تغري الحكومة المواطنين بطبق من الحلوى الخفيفة؛ فتطلق تصريحات تؤكد فيها الحرص على عدم تحميل المواطنين العبء وحدهم، وتحلف أغلظ الأيمان بأن الدعم لن يُرفع قبل أن يصل التعويض النقدي إلى جيوب الناس، لدرجة أن بعض المواطنين الغلابى بدأوا يتلمسون جيوبهم!
المشكلة أن الحكومة استهلكت جميع المصطلحات والحجج في حملتها لترويض الشارع، لكنها -وعلى ما يبدو- لم تتمكن حتى الآن من كسب تأييدهم. يظهر ذلك جليا في تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، واللقاءات المباشرة مع المواطنين في الدواوين والأماكن العامة. كما يلاحظ أيضا أن لقاءات الحكومة واجتماعاتها اقتصرت على النخب الرسمية والإعلامية وكبار التجار، ولم نسمع عن لقاء أو حوار مباشر مع الفئات المعنية بالقرار أو المتضررة منه. فما الذي يمنع رئيس الوزراء أو وزير ماليته من عقد لقاء مع عمال النظافة في أمانة عمان مثلا، ليشرح لهم موجبات تحرير الأسعار، ويستمع إلى مخاوفهم من موجة الارتفاعات المتوقعة على أسعار السلع والخدمات بعد تطبيق خطة رفع الدعم؟
غير أن الأهم من ذلك كله هو أن الحكومة، ورغم كل هذا الضخ و"الطخ" في وسائل الإعلام، لم تقدم حتى اللحظة عرضا ماليا محددا للمواطنين، ولم تكشف عن قيمة الدعم الذي ستقدمة مقابل تحرير الأسعار. وسائل الإعلام تداولت في الأيام الماضية أرقاما ونسبا لم يؤكدها أي مصدر رسمي، لا بل إن رئيس الوزراء نفسه أكد أن الحكومة لم تصل بعد إلى قرار نهائي بهذا الشأن، وما تزال في مرحلة مناقشة الخيارات.
المواطن الأردني، ومن خبرته الطويلة مع الحكومات، لا يميل لكثرة الكلام معها، أو ما نسميه تهذيبا الحوار، وكلما استفاضت الحكومة، أي حكومة، في الشرح والتفصيل، فإن الشك يدخل إلى قلبه ويضع يده على جيبه. المواطن الذي جرب "الحوار" حول كافة أشكال الرفع والدفع والدعم على مدار العقدين الماضيين، لم يعد يطيق "المفاصلة". وهل عاد في حوزته شيء ليفاصل عليه أصلا؟!
لسان حال المواطنين اليوم: لقد أوجعتم رؤوسنا بالحوار؛ هاتوا من الآخر، كم ستدفعون مقابل الرفع؟
fahed.khitan@alghad.jo
(الغد)