الخريف
محمد بدر
جو 24 : يغادر الصيف متباطئا معتذرا من شدّة حرارته ، صاحبه شحٌّ في المياه ، وهي ملاذ الفقراء والطبقة الوسطى - وهم يشكّلون الغالبية - لإطفاء لهيبه . هذه الحرارة لا يشفع لها الاّ أنها سببا في التئام الأسر في سهرات ليلية على أسطح البيوت أو في أي مكان تظلّهم فيها السماء . وإسهامها في إنضاج قطوف العنب وحبات التين وباقي فواكه الصيف التي أصبحت للتصوير وليس للاستعمال . كما وترحل معه مشاكله وأفراحه .
يودعنا الصيف لنستقبل الخريف - والمرء بين مستقبل ومودّع - . وللخريف في حياتنا قصص وذكريات . ففيه يبدأ الأولاد رحلتهم إلى المدارس ، وتبدأ رائحة الكتب والدفاتر وصرير الأقلام تملأ أرجاء البيوت . ففي كل بيت طالب أو أكثر . وتختفي من البيوت فوضاهم ومشاكساتهم وأصواتهم المحببة ، والتي لولاها استحالت البيوت باردة مملّة حتى في أشد الأوقات حرّا . وتنساب حركة الشوارع ، ويلف الهدوء أرجاء الحواري والحارات والشوارع الفرعية . والحمد لله أنه هدوء مؤقت .
وفي الخريف تعلن بعض الأشجار حدادها وحزنها ، فتتخلى عن أوراقها لوعة وأسى ، على موجود فُقِد ، أو على مفقود لم يأتِ . فالشعور بالعُري إحساسٌ فظيع ، لا يحتمله أيّنا ولو للحظة ، فسرعان ما يبحث عمّا يواري به نفسه . وقد استغرَبت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حين سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول " يُحشر الناس يوم القيامة ، حُفاةً ، عُراةً ، غُرُلا " قالت مستغربةُ ، يا رسول الله : الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة الأمر أهولُ من أن يفعلوا ذلك .
فما بال البعض لا يخجلون من عريهم الأخلاقي ، مع شدة حرصهم على الظهور بكامل أناقتهم ولياقتهم على الناس وفي المجتمعات وأمام وسائل الأعلام . والحمد لله أنه لا توجد حتى الآن كاميرات تصوّر هذا النوع من العُري . وإلاّ لتغيّرت نظرة العامّة لبعضٍ من أهل المظاهر والمناظر ، والمناصب والمصائب .
إنّ اهتمامنا بالخريف قليل ، ونظرتنا إليه محايدة . فبعضنا ينظر إليه كامتدادٍ للصيف ، وآخر يعتبره مقدمةً للشتاء واستعدادا له . فنحن عادة - للأسف - لا نحب الوسط من الأشياء ولا نهتم بها ، رغم أن خير الأمور أوسطها . فالاهتمام عادة ينصبُّ لمن هم في الأعلى وفي الأسفل ، كثنائيّة فوق وتحت . لذلك نحتفظ بملابس للصيف وأُخرى للشتاء ، ونادرا ما نجد ما يسمى ملابس الخريف . فمنْ في الوسط عادةً حقّه مهضوم وحظّه معدوم . فهو كأهل الأعراف ( منطقة بين الجنة وجهنّم ) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . فلا هو حارٌّ فيُخشى ولا هو باردٌ فيُتّقى .
ويبدو أن ربيع العرب وثوراتهم تبعها خريف اللا وضوح واللا لون . وكأنه لا يجوز لنا الفرح ولا أن نشعر أننا شعوب تستحق الحياة . فالخيار إمّا الخضوع وامّا الفوضى . إمّا حاكم يسلب حريتك وآدميّك ويكون وكيلا عامّا عنك ، أو يقتلك . دخلنا في الخريف وخرجنا من الربيع ... والحديث ذو شجون .
يودعنا الصيف لنستقبل الخريف - والمرء بين مستقبل ومودّع - . وللخريف في حياتنا قصص وذكريات . ففيه يبدأ الأولاد رحلتهم إلى المدارس ، وتبدأ رائحة الكتب والدفاتر وصرير الأقلام تملأ أرجاء البيوت . ففي كل بيت طالب أو أكثر . وتختفي من البيوت فوضاهم ومشاكساتهم وأصواتهم المحببة ، والتي لولاها استحالت البيوت باردة مملّة حتى في أشد الأوقات حرّا . وتنساب حركة الشوارع ، ويلف الهدوء أرجاء الحواري والحارات والشوارع الفرعية . والحمد لله أنه هدوء مؤقت .
وفي الخريف تعلن بعض الأشجار حدادها وحزنها ، فتتخلى عن أوراقها لوعة وأسى ، على موجود فُقِد ، أو على مفقود لم يأتِ . فالشعور بالعُري إحساسٌ فظيع ، لا يحتمله أيّنا ولو للحظة ، فسرعان ما يبحث عمّا يواري به نفسه . وقد استغرَبت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حين سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول " يُحشر الناس يوم القيامة ، حُفاةً ، عُراةً ، غُرُلا " قالت مستغربةُ ، يا رسول الله : الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة الأمر أهولُ من أن يفعلوا ذلك .
فما بال البعض لا يخجلون من عريهم الأخلاقي ، مع شدة حرصهم على الظهور بكامل أناقتهم ولياقتهم على الناس وفي المجتمعات وأمام وسائل الأعلام . والحمد لله أنه لا توجد حتى الآن كاميرات تصوّر هذا النوع من العُري . وإلاّ لتغيّرت نظرة العامّة لبعضٍ من أهل المظاهر والمناظر ، والمناصب والمصائب .
إنّ اهتمامنا بالخريف قليل ، ونظرتنا إليه محايدة . فبعضنا ينظر إليه كامتدادٍ للصيف ، وآخر يعتبره مقدمةً للشتاء واستعدادا له . فنحن عادة - للأسف - لا نحب الوسط من الأشياء ولا نهتم بها ، رغم أن خير الأمور أوسطها . فالاهتمام عادة ينصبُّ لمن هم في الأعلى وفي الأسفل ، كثنائيّة فوق وتحت . لذلك نحتفظ بملابس للصيف وأُخرى للشتاء ، ونادرا ما نجد ما يسمى ملابس الخريف . فمنْ في الوسط عادةً حقّه مهضوم وحظّه معدوم . فهو كأهل الأعراف ( منطقة بين الجنة وجهنّم ) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . فلا هو حارٌّ فيُخشى ولا هو باردٌ فيُتّقى .
ويبدو أن ربيع العرب وثوراتهم تبعها خريف اللا وضوح واللا لون . وكأنه لا يجوز لنا الفرح ولا أن نشعر أننا شعوب تستحق الحياة . فالخيار إمّا الخضوع وامّا الفوضى . إمّا حاكم يسلب حريتك وآدميّك ويكون وكيلا عامّا عنك ، أو يقتلك . دخلنا في الخريف وخرجنا من الربيع ... والحديث ذو شجون .