لغتنا الجميلة
محمد بدر
جو 24 : هذا عنوان برنامج إذاعي تذيعه إذاعة القاهرة ، يقدم له عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين ، بمقدّمة صوتيّة يقرأ فيها بيتا جميلا من الشّعر يقول :
أنا البحرُ في أحشائه الدّرُّ كامنٌ *** فهل سألوا الغوّاصَ عن صَدَفاتي
كنت استمع واستمتع بالبرنامج بالرّغم من صغر سنّي حينئذ . كنت -وغيري كثر- نعشق الّلغة العربيّة قراءة واستماعا ومحادثة . وبما أنّ كلّ فتاةٍ بأبيها معجبة . فليس مستغرباً أن يعشق العربي لغته الأم ، وهي لغة الأباء والأجداد . فالأذنُ تعشقُ قبل العين أحيانا.
ورحم الّله معلم الّلغة العربيّة في أحد الصّفوف المتوسّطة حيث كان في الحصّة المسمّاة (الإنشاء والتّعبير) يكتب لنا عنوانا ثمّ يطلب منّا أن نكتب حوله ثمّ نقوم بقراءة ما كتبنا أمام الطّلاب، أمّا الآخرون فكلّ من يستطيع أن يجد خطأ ويصحّحه فله علامة أو جائزة.
هكذا كان المعلمون يتعاملون مع حصّة الّلغة العربيّة فأصبحنا نحبّها ونتمنّى ألا تنتهي ، فنشأ جيل يتقن لغته قراءة وكتابة ومحادثة. وهنا أشير إلى أحد الّذين يحملون أعلى الدّرجات العلميّة في اللّغة العربيّة رغم أنّه حصّل معدّلا عاليا في الثّانويّة وكان بإمكانه دراسة مادّة علميّة إلا انّه أصرّ على الدراسة في كليّة الآداب قسم اللّغة العربيّة فأبدع وهو الآن من أكبر الكتّاب المبدعين..
تغيّرت الظّروف والاهتمامات.. والنّاس.. فإذ بالطّالب ينهي مراحل دراسيّة متقدّمة ولكنّه لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب أو يتحدّث دون كثير من الأخطاء والفاحشة أحيانا. انّه ممّا يبعث على الأسى والغيظ أن تجد الخطيب يخطئ في كلّ جملة تقريبا وأنّ الشّباب أصبحوا يتهرّبون من الكتابة باللّغة العربيّة فيكتبون بلهجة محليّة أو بلغة أجنبيّة. ويكون الأسى أكبر إذا كان هذا الخطيب للجمعة أو سياسيّا أو نائباً ويقرأ خطاباً مكتوباً. فهؤلاء ينبغي عليهم إتقان اللغة التي يتواصلون بها مع الناس، فهي وسيلتهم للدّعوة والإقناع.
هناك عوامل عدّة ساهمت في الوصول إلى هذه الحال منها المناهج المدرسيّة وتردّي التّعليم بشكل عام والّلغة العربيّة بشكل خاص، كذلك الاهتمام بلغات أجنبيّة على حساب لغة الأمّ ومن مراحل دراسيّة دنيا. فنشأ هذا الفصام النّكد بيننا وبين لغتنا الّتي صارت غريبة بين أبناءها فهجرتها النّخبة والعامّة .
لقد أتىّ على النّاس حين من الدّهر كان بعض المثقّفين يروّجون لفكرة الكتابة باللّهجات المحليّة ولكنّها لم تجد الإقبال والتّشجيع اللازم . ونحن لا ننسى أنّ أوروبا كانت تكتب وتتحدّث بلغة واحدة فلمّا غلّب كلّ مجموعة لغتها المحليّة نشأت اللّغات المختلفة.. والحمد للّه أنّنا لم ننزلق هذا المنزلق الخطر.
لقد تعهّد الله عزّ وجل بأن يتولى حفظ كتابه ( إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنا له لحافظون) . وهذا لا يكون إلا بحفظ الّلغة الّتي نزل فيها . وهكذا حفظ القرآن الكريم هذه الّلغة فنادرا ما نرى من يحرص على القرآن الكريم تلاوة وحفظا يلحن أو يخطئ أخطاء فاحشة .
ومن بين هذا الواقع وبداعي الغيرة والحرص على العربيّة تنادى نفر من الشّباب ليكوّنوا مجموعات لأنصار ومحبّي الّلغة العربيّة وأخرى لمحبي الخطّ العربيّ.. والشّعر.. والقصّة.. والرّواية، فكثرت النّدوات الشّعريّة والأدبية. ولنا أن نسأل لماذا الإصرار على تعليم المواد العلميّة في جامعاتنا الوطنيّة بلغة أجنبيّة!. ولغتنا فيها من الثّراء والسّعة والمعاني والمرادفات ما يستوعب ويوضّح العلوم المختلفة.. بلسان عربيّ مبين. وهناك تجارب تؤكّد ذلك في أكثر من مكان.
إن الخيريّة الّتي وصفت فيها هذه الأمّة ( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس) تجعلنا لا نفقد الأمل وسيكون للقوس باريها فمحبّي وعشّاق العربيّة يتكاثرون وينتشرون وانّ لغتنا الّتي كانت جميلة ستبقى جميلة -بل من أغنى اللّغات- ما بقي الكتاب وأمّة كانت أوّل كلمة نزلت في كتابها ..اقرأ.. ومن ثمّ (ن والقلم وما يسطرون).
أنا البحرُ في أحشائه الدّرُّ كامنٌ *** فهل سألوا الغوّاصَ عن صَدَفاتي
كنت استمع واستمتع بالبرنامج بالرّغم من صغر سنّي حينئذ . كنت -وغيري كثر- نعشق الّلغة العربيّة قراءة واستماعا ومحادثة . وبما أنّ كلّ فتاةٍ بأبيها معجبة . فليس مستغرباً أن يعشق العربي لغته الأم ، وهي لغة الأباء والأجداد . فالأذنُ تعشقُ قبل العين أحيانا.
ورحم الّله معلم الّلغة العربيّة في أحد الصّفوف المتوسّطة حيث كان في الحصّة المسمّاة (الإنشاء والتّعبير) يكتب لنا عنوانا ثمّ يطلب منّا أن نكتب حوله ثمّ نقوم بقراءة ما كتبنا أمام الطّلاب، أمّا الآخرون فكلّ من يستطيع أن يجد خطأ ويصحّحه فله علامة أو جائزة.
هكذا كان المعلمون يتعاملون مع حصّة الّلغة العربيّة فأصبحنا نحبّها ونتمنّى ألا تنتهي ، فنشأ جيل يتقن لغته قراءة وكتابة ومحادثة. وهنا أشير إلى أحد الّذين يحملون أعلى الدّرجات العلميّة في اللّغة العربيّة رغم أنّه حصّل معدّلا عاليا في الثّانويّة وكان بإمكانه دراسة مادّة علميّة إلا انّه أصرّ على الدراسة في كليّة الآداب قسم اللّغة العربيّة فأبدع وهو الآن من أكبر الكتّاب المبدعين..
تغيّرت الظّروف والاهتمامات.. والنّاس.. فإذ بالطّالب ينهي مراحل دراسيّة متقدّمة ولكنّه لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب أو يتحدّث دون كثير من الأخطاء والفاحشة أحيانا. انّه ممّا يبعث على الأسى والغيظ أن تجد الخطيب يخطئ في كلّ جملة تقريبا وأنّ الشّباب أصبحوا يتهرّبون من الكتابة باللّغة العربيّة فيكتبون بلهجة محليّة أو بلغة أجنبيّة. ويكون الأسى أكبر إذا كان هذا الخطيب للجمعة أو سياسيّا أو نائباً ويقرأ خطاباً مكتوباً. فهؤلاء ينبغي عليهم إتقان اللغة التي يتواصلون بها مع الناس، فهي وسيلتهم للدّعوة والإقناع.
هناك عوامل عدّة ساهمت في الوصول إلى هذه الحال منها المناهج المدرسيّة وتردّي التّعليم بشكل عام والّلغة العربيّة بشكل خاص، كذلك الاهتمام بلغات أجنبيّة على حساب لغة الأمّ ومن مراحل دراسيّة دنيا. فنشأ هذا الفصام النّكد بيننا وبين لغتنا الّتي صارت غريبة بين أبناءها فهجرتها النّخبة والعامّة .
لقد أتىّ على النّاس حين من الدّهر كان بعض المثقّفين يروّجون لفكرة الكتابة باللّهجات المحليّة ولكنّها لم تجد الإقبال والتّشجيع اللازم . ونحن لا ننسى أنّ أوروبا كانت تكتب وتتحدّث بلغة واحدة فلمّا غلّب كلّ مجموعة لغتها المحليّة نشأت اللّغات المختلفة.. والحمد للّه أنّنا لم ننزلق هذا المنزلق الخطر.
لقد تعهّد الله عزّ وجل بأن يتولى حفظ كتابه ( إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنا له لحافظون) . وهذا لا يكون إلا بحفظ الّلغة الّتي نزل فيها . وهكذا حفظ القرآن الكريم هذه الّلغة فنادرا ما نرى من يحرص على القرآن الكريم تلاوة وحفظا يلحن أو يخطئ أخطاء فاحشة .
ومن بين هذا الواقع وبداعي الغيرة والحرص على العربيّة تنادى نفر من الشّباب ليكوّنوا مجموعات لأنصار ومحبّي الّلغة العربيّة وأخرى لمحبي الخطّ العربيّ.. والشّعر.. والقصّة.. والرّواية، فكثرت النّدوات الشّعريّة والأدبية. ولنا أن نسأل لماذا الإصرار على تعليم المواد العلميّة في جامعاتنا الوطنيّة بلغة أجنبيّة!. ولغتنا فيها من الثّراء والسّعة والمعاني والمرادفات ما يستوعب ويوضّح العلوم المختلفة.. بلسان عربيّ مبين. وهناك تجارب تؤكّد ذلك في أكثر من مكان.
إن الخيريّة الّتي وصفت فيها هذه الأمّة ( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس) تجعلنا لا نفقد الأمل وسيكون للقوس باريها فمحبّي وعشّاق العربيّة يتكاثرون وينتشرون وانّ لغتنا الّتي كانت جميلة ستبقى جميلة -بل من أغنى اللّغات- ما بقي الكتاب وأمّة كانت أوّل كلمة نزلت في كتابها ..اقرأ.. ومن ثمّ (ن والقلم وما يسطرون).