منع من النشر في الدستور.. شؤون أكاديمية ونزاهة وشفافية!

لم يكمل تعليمه "رحمه الله"؛ ورماه "الهوى" فإذا به في محل "بناشر"، تفتحت قابلياته جميعا حين وجد نفسه طفلا منتجا يكسب 60 قرشا يوميا، ويتمتع بعلاقات اجتماعية جديدة مع "الميكانيكية والشوفيرية"، بعد أن تخلص نهائيا من أجواء المدرسة والضرب والكرب، "طبخني" على امتداد أسبوع وهو يحدثني عن غداءهم ذلك اليوم، وكان يعتقد بأنني أستمع للحديث في كل ليلة بسبب الإثارة الدرامية، ولم يكن يعلم بأنني كنت أتقصى البعد النفسي وراء لفظه لمحتويات الغداء..

كان يرددها وكأنها عبارة موسيقية (جاج مع قسديل شوي)..ما الذي ورطني فسألته اول مرة "بالله شو تغديتوا في المحل؟".. ورطتني خلطة سرية، مكونة من الفقر والبساطة والبدائية تتبدى بأكثر من هم ومذاق وعجائبية كلما قال: "جاج مع قسديل شوي".

أصبحت أتلذذ بالسؤال والإجابة نفسها، فكلما رأيته سألته: "بالله شو تغديتوا في المحل؟" فيعيد النص كما قاله في كل مرة، مسلطا اللغة ومقتضياتها على (جاج مع قسديل شوي)..يذكرها 13 مرة بشكل ثابت مع كل مرة يروي لنا فيها قصة "غداهم في المحل"..ف " الله يشوي الفقر"، خصوصا حين يكون فقرا في الكفاءة وفي (النزاهة مع الشفافية).

كل الكلام عن المناطق البعيدة يمكن تصديقه، فلا أحد يذهب هناك للتأكد، فالحديث عن الفضاء والظلام وآفاقهما وعن عوالم افتراضية فيهما، حديث لا يمكننا أن نتثبت من صحته سوى بإرسال طواقم فضائية مختصة وخارقة التجهيزات، وكذلك يكون الحديث عن الشأن الأكاديمي، وعن النزاهة وعن العقل بالنسبة لمن يفقدها، واليكم هذا الحديث من نوع "أكاديمية مع شفافية":

قبل أشهر؛ وتحت وطأة ظروف سياسية واعلامية حساسة، اتخذ مجلس التعليم العالي قرارا بتعيين أحد الأساتذة رئيسا لجامعة، وحين سؤال أحد الأعضاء عن القرار؛ قال (جاء انحيازا لمصلحة الوطن)، ولا أعلم كيف استطاع التوصل إلى هذه النتيجة، فهم يقولون أن الشخص الذي استفاد من الوضع، مضى عليه 20 عاما ولم يترق أكاديميا وكانت جامعته ستستغني عن خدماته آنذاك، لأنه لم يترق أكاديميا ولم يكتب أبحاثا في تخصصه، والأبحاث القليلة التي وجد اسمه فيها، كانت بالاشتراك مع آخرين، فهو لا يجيد الانجليزية ولا يتحدث بها، ومع ذلك فكل الأبحاث التي ورد اسمه فيها كانت باللغة الانجليزية !.

ثم تمر من أمام عينيه (شبهات) تجاوزات لها علاقة "بالنزاهة مع الشفافية"، تمثلت بضياع مبلغ يقدر ب (172 الف دينار) عن جامعته، لصالح شركة مقاولات نفذت عطاء في جامعته، في (شبهة) تجاوز اداري مالي قانوني، يتطلب منه تحويل أطرافه إلى محكمة أمن الدولة، فالتجاوز هو جريمة اقتصادية من اختصاص تلك المحكمة.. ويكتفي هذا المسؤول بتوجيه تنبيهات لموظفين لا علاقة لهم بالخطأ، ويتحوط بتشكيل لجنة تحقيق مكانها "الأدراج" ما لم يستجد الطلب على "النزاهة مع الشفافية"!!.

الرجل ينتهك كل الأعراف والقوانين والقيم، ويرتكب أخطاء قانونية بحق موظفين آخرين، لم يقتنع بأنها حماقات حتى وإن قالت له الحكومة، ولست أعلم ما الذي سيقوله حين يؤكد له القضاء بأنه اقترفها ..فمن يصدق بأن هذا الكلام عن "النزاهة مع الشفافية" يحدث؟! .

وآخر؛ استلم جامعته رئيسا، وفيها وفرة مالية مقدارها 4 ملايين، فأصبحت تجتمع منذ بداية النصف الثاني للشهر، للتفكير في توفير رواتب العاملين فيها، لأنه ما لبث وتسلم الموقع حتى شرع في تنفيع أحدهم، لا علاقة مهنية تربطه بالموقع الذي عينه فيه، ومنحه راتبا شهريا فلكيا، نذكر تفاصيله من أجل "النزاهة مع الشفافية" لا سيما وأن "الشفافية مع نزاهتها"، شعار لم يمل مرددوه من تكراره ،رغم كل الإخفاقات والخروقات..ما علينا.

المهم تفاصيل الراتب :

" 2500 دينارا شهريا حسب العقد" و "500 دينارا مقدمة كتنفيعه دعموية شهرية من مؤسسة اعمار تلك المدينة"، و "620 دينارا لقاء 40 ساعة عمل إضافي (علما أنه عقد سنوي)"، و"أجرة بيت شهرية 135 دينارا"، يضاف إلى المبالغ المذكورة "كوميشن " كان قد حصل عليه الموظف "المنتفع" عن أجهزة اشترتها الجامعة بإشرافه وبمبلغ يتجاوز 180 الف دينار"..والتفاصيل الأخرى مهملة، سوى القول أن الموظف وعمله كلفا الجامعة نصف مليون تقريبا خلال عام ونصف..فمن يتذوق هذا الطعام او يشعر بلذعته الأخلاقية؟!.

هل لدينا طاقم فضائي "خارق"، ليتقصى هذه الحقائق؟! بالله شو تغديتوا في المحل؟!

هل قلتم: "كفاءة ونزاهة مع قسديل شوي"؟!.

ibqaisi@gmail.com.

*المحرر،

الكاتب القيسي تساءل في مقاله الذي أرسله إلى Jo24 عن سبب منع مثل هذه المقالات وهوية حاجبها عن القراء، تاركا الاجابة للمتلقي نفسه..