الملك يضع حدا للمهزلة
فهد الخيطان
جو 24 : تدخل الملك ليوقف مهزلة ارتكبها مجلس الأمة في جلسة مشتركة قبل نحو سبعة أشهر، منح بموجبها الأعيان والنواب رواتب تقاعدية مدى الحياة. أمس، صدرت الإرادة الملكية بعدم بطلان القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959، والذي أقرته حكومة سمير الرفاعي. وبموجب ذلك التعديل، تم إلغاء التعديلات التي أدخلت على القانون العام 1999، ومنحت النواب والأعيان رواتب تقاعدية. وعليه، يعود العمل بقانون "الرفاعي" الذي لا يعطي أعضاء مجلس الأمة ميزة الرواتب التقاعدية.
للمرة الأولى منذ توليه الحكم، يرد الملك عبدالله الثاني قانونا أقره مجلس الأمة، حظي بجدل واسع. وقد حاول مجلس الأعيان في حينه وضع شروط لمن يستحق الراتب التقاعدي، لكن النواب أصروا على رفضها، مما اضطر المجلسين إلى عقد جلسة مشتركة في الثاني عشر من نيسان (أبريل) الماضي، حضرها 155 عضوا، صوت 120 منهم على رد مشروع قانون التقاعد المؤقت، وليمنحوا أنفسهم بذلك رواتب تقاعدية مدى الحياة.
اعتُبر موقف النواب هذا انحيازا سافرا لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية. وقوبل هذا الموقف بسخط شعبي واسع، بدد ما تبقى للنواب من ثقة شعبية. كان النواب في ذلك الوقت يدركون أن الدولة في حاجة المجلس لإقرار حزمة من التشريعات المستعجلة قبل حل المجلس لإجراء انتخابات مبكرة، وقد استغلوا هذا الظرف أسوأ استغلال لتحقيق مصالح ضيقة على حساب خزينة الدولة التي تعاني العجز والمديونية. لم يتصرفوا كرجال دولة يتحلون بالمسؤولية الوطنية، بل كموظفين في شركة يسعون إلى تعظيم مكاسبهم الشخصية.
بيد أن الملك لم يترك لأصحاب المصالح الضيقة التمتع برواتب تقاعدية على حساب أموال الخزينة، وتدخل في اللحظة الأخيرة مستخدما صلاحياته الدستورية برد القانون، مشفوعا ببيان أسباب عدم التصديق عليه، داعيا الحكومة في الوقت نفسه إلى المباشرة في إعداد دراسة شاملة لموضوع التقاعد المدني "تتوخى العدالة والشفافية والموضوعية، وتؤدي إلى تقديم مشروع قانون جديد ينظم جميع المسائل المتعلقة بتقاعد أعضاء السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية". وهذه مناسبة لا تفوّت لإعادة النظر في تقاعد الوزراء الذي استخدمه النواب حجة عند ردهم لمشروع التقاعد المدني.
لقد دفعت الدولة ورموزها في السنوات الأخيرة ثمنا باهظا من سمعتها ومصداقيتها وخزينتها بسبب السلوك الانتهازي للمجالس النيابية والحكومات التي تورطت معها في لعبة تبادل المصالح بدون اعتبار لمبادئ الدستور وقيم النزاهة في ممارسة السلطة، فأصبحت عبئا على الدولة والشعب، حتى وصلنا إلى النقطة الحرجة التي تقف عندها البلاد اليوم.
إن ملف التجاوزات التي ارتكبتها المجالس النيابية والحكومات يفيض بالفساد والمحسوبية والانتهاكات لأبسط القواعد القانونية في التعيينات، وتوزيع الامتيازات على المحاسيب، و"لفلفة" التحقيق في ملفات الفساد، والارتهان لتعليمات الأجهزة التنفيذية، والوقوف في الضد من مصالح الشعب والدولة. وتُوج ذلك كله باعتداء تشريعي صريح على أموال الخزينة، تمثل في الرواتب التقاعدية التي أبطلها الملك.
لتكن الخطوة الملكية بداية لمراجعة التجاوزات في التشريعات والممارسات التي ارتكبها نواب المجلس المنحل وحكوماته، لنبدأ بعدها مرحلة نظيفة ترسي مبادئ العدالة والمساواة التي توخاها الملك عند رفضه لبطلان قانون التقاعد المدني.
تعود أغلبية أعضاء المجلس السادس عشر إلى قبة البرلمان في الانتخابات المقبلة، بفضل قانون الانتخاب الذي فُصّل على مقاسهم، وتعود معهم الامتيازات والرواتب التقاعدية.
fahed.khitan@alghad.jo
(الغد)
للمرة الأولى منذ توليه الحكم، يرد الملك عبدالله الثاني قانونا أقره مجلس الأمة، حظي بجدل واسع. وقد حاول مجلس الأعيان في حينه وضع شروط لمن يستحق الراتب التقاعدي، لكن النواب أصروا على رفضها، مما اضطر المجلسين إلى عقد جلسة مشتركة في الثاني عشر من نيسان (أبريل) الماضي، حضرها 155 عضوا، صوت 120 منهم على رد مشروع قانون التقاعد المؤقت، وليمنحوا أنفسهم بذلك رواتب تقاعدية مدى الحياة.
اعتُبر موقف النواب هذا انحيازا سافرا لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية. وقوبل هذا الموقف بسخط شعبي واسع، بدد ما تبقى للنواب من ثقة شعبية. كان النواب في ذلك الوقت يدركون أن الدولة في حاجة المجلس لإقرار حزمة من التشريعات المستعجلة قبل حل المجلس لإجراء انتخابات مبكرة، وقد استغلوا هذا الظرف أسوأ استغلال لتحقيق مصالح ضيقة على حساب خزينة الدولة التي تعاني العجز والمديونية. لم يتصرفوا كرجال دولة يتحلون بالمسؤولية الوطنية، بل كموظفين في شركة يسعون إلى تعظيم مكاسبهم الشخصية.
بيد أن الملك لم يترك لأصحاب المصالح الضيقة التمتع برواتب تقاعدية على حساب أموال الخزينة، وتدخل في اللحظة الأخيرة مستخدما صلاحياته الدستورية برد القانون، مشفوعا ببيان أسباب عدم التصديق عليه، داعيا الحكومة في الوقت نفسه إلى المباشرة في إعداد دراسة شاملة لموضوع التقاعد المدني "تتوخى العدالة والشفافية والموضوعية، وتؤدي إلى تقديم مشروع قانون جديد ينظم جميع المسائل المتعلقة بتقاعد أعضاء السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية". وهذه مناسبة لا تفوّت لإعادة النظر في تقاعد الوزراء الذي استخدمه النواب حجة عند ردهم لمشروع التقاعد المدني.
لقد دفعت الدولة ورموزها في السنوات الأخيرة ثمنا باهظا من سمعتها ومصداقيتها وخزينتها بسبب السلوك الانتهازي للمجالس النيابية والحكومات التي تورطت معها في لعبة تبادل المصالح بدون اعتبار لمبادئ الدستور وقيم النزاهة في ممارسة السلطة، فأصبحت عبئا على الدولة والشعب، حتى وصلنا إلى النقطة الحرجة التي تقف عندها البلاد اليوم.
إن ملف التجاوزات التي ارتكبتها المجالس النيابية والحكومات يفيض بالفساد والمحسوبية والانتهاكات لأبسط القواعد القانونية في التعيينات، وتوزيع الامتيازات على المحاسيب، و"لفلفة" التحقيق في ملفات الفساد، والارتهان لتعليمات الأجهزة التنفيذية، والوقوف في الضد من مصالح الشعب والدولة. وتُوج ذلك كله باعتداء تشريعي صريح على أموال الخزينة، تمثل في الرواتب التقاعدية التي أبطلها الملك.
لتكن الخطوة الملكية بداية لمراجعة التجاوزات في التشريعات والممارسات التي ارتكبها نواب المجلس المنحل وحكوماته، لنبدأ بعدها مرحلة نظيفة ترسي مبادئ العدالة والمساواة التي توخاها الملك عند رفضه لبطلان قانون التقاعد المدني.
تعود أغلبية أعضاء المجلس السادس عشر إلى قبة البرلمان في الانتخابات المقبلة، بفضل قانون الانتخاب الذي فُصّل على مقاسهم، وتعود معهم الامتيازات والرواتب التقاعدية.
fahed.khitan@alghad.jo
(الغد)