نم قرير العين يا صغيري ... فللأردن ربٌ يحميه
يولد أطفالنا ، ويكبرون مباشرة دون المرور بمراحل الطفولة والمراهقة . فهم يولدون رجالا ، فيما يمكن أن نسميه الرجولة المبكّرة .
أحاديثهم ، اهتماماتهم ، تفكيرهم ، حتى ألعابهم تدل على رجولة وعمر عقلي أكبر ويسبق عمرهم الزمني .
فتذكرت مقولة عمرو بن كلثوم
إذا بلغ الفطام لنا صبيٌّ * * * تخرُّ له الجبابر ساجدينا
فأيُّ طفولة هذه التي يعيشها أطفال غزّة خاصّة وفلسطين عامّة .
وأيُّ يومٍ للطفولة يحتفي به أطفال سوريا .
وهم ما بين شهيد أو جريح أو شريد أو يتيم وحيد .
أتدرون ماذا يعني أن يكون الأطفال هم وقود الحرب وأكثر ضحاياها ؟
إنهم باستهدافهم الأطفال إنما يستهدفون المستقبل ، بعد أن رأوا في عيون هؤلاء الأطفال بريقا وشجاعة وعزما لم يسبق لهم أن شاهدوه أو تعاملوا معه . ولأنهم يخافون المستقبل أكثر من الماضي والحاضر ، فأصبح الأطفال هاجسهم ، يرونهم في أحلامهم كوابيس مزعجة
فقد اعتادوا على أطفال يخافون كل شيء ، ويبكون لأي سبب ، بل ودون مبرر أحيانا . مطالبهم واحتاجهم واهتمامهم لا تتعدى لعبة جميلة ، أو قطعة من الحلوى ، أو رحلة ممتعة لمدينة ألعاب .
فهاهم يروْا بأم أعينهم وبما لا يدع مجالا للشك ، كذب مقولتهم وتفاهتها ، تلك التي كانوا يمنُّون أنفسهم وأجيالهم بها ، كي يهنئوا ويفرحوا بما سرقوه " يموت الكبار وينسى الصغار " . صحيح لقد مات الكبار ولكن الصّغار لم يرثوا خيبات الكبار وتخاذلهم .
أين العالم الظالم ومنظماته العوراء أو قل العمياء عن الطفولة وعذاباتها . ألم تؤذهم مناظر الأجسام الغضّة الطريّة وقد تفحّمت ، أو أصبحت أشلاء ، أو وهي تنظر حولها تبحث عن كتبها ودفاترها وأحلامها بين أنقاض ما كان بيتها . أو تنظر بعيون ترنو إلى المستقبل حيث لا مستقبل ، دون الأب والأم والأهل والأمل .
أين سيدات المجتمع في منظمات حقوق الطفل ، أم أن هذه المنظمات هي للمكانة الاجتماعية والجوائز والتصريحات الصحفية والمقابلات الإعلامية . أليس الأمن للأطفال وأن يعيشوا طفولتهم كما أرادها ربنا هي من صميم الاهتمامات والأولويات .
أمس سألني صغيري ، هل سيتأثر مصروفي يا أبي بعد ارتفاع الأسعار ؟
حاولت معرفة مدى فهمه للموضوع ، فكانت إجابته تدل على وعي وإدراك يفوق ما كنت أتوقعه . وقد غاب عني أن أُدرك أنه إنما كان يسألُ عن اقتصادنا لا اقتصاده . ثم ذهب بي التفكير بعيدا ، حول الاقتصاد وآدم سميث ونظرياته ، وعن رئيس الوزراء وقراراته ، فقلت لصغيري وقد أعياه التفكير وأعياني ... فذهب في نوم عميق ،
نم يا صغيري قرير العين ، فللأردن ربُّ يحميه ويُغنيه .
ملحوظة هامّة : العنوان ( ملطوش ) من خاطرة لكاتبة مبدعة بعنوان ، نم قرير العين يا طارق