أخطاء الوزراء وموقف الرئيس منها
أكثر الحالات التي يكون فيها رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي غاضبا، حين يقع أحد أعضاء الفريق الحكومي بخطأ ما، هذا أكثر شيء أؤكده هنا، وهو أول موضوع حدثني به الدكتور الملقي في مكالمة هاتفية أثناء حكومته الأولى، وحين نتحدث عن غضب الرئيس على أخطاء الوزراء فإننا بالضرورة نتحدث عن اسلوب الملقي في إدارته للشأن العام، وشدة التزامه بأن يكون عمل حكومته مثاليا، لا يضعه في مواجهة مع الاعلام ومع الناس والمعارضة والمتحدثين بحق أو بغيره، وحين نتتبع الخطوات التي قام به رئيس الوزراء المتعلقة بانسجام ورشاقة أداء فريقه الوزاري، نلحظ أول ما نلحظ بأنه لجأ إلى تغييرات واضحة مبنية على ملاحقته للانسجام بين تشكيلته الحكومية، والأداء المتناسق ضمن روح الفريق، وإنهاء كل عوامل واحتمالات التأزيم..قالها لي بشكل واضح بتأكيد لفظي ومعنوي لا يمكن التشكيك فيه « لن أتهاون على الاطلاق مع وزير يخطئ».
الرسالة؛ بل الفكرة المهمة التي نفهمها من هذا الحذر والتشدد من قبل رئيس الوزراء، تتعلق بالشفافية والأمانة، والنزاهة والترفع عن السقوط في الحسابات الضيقة والشخصنة والصراعات المعروفة بين القوى والرموز الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن هذا المنظور يمكننا أن نفهم التزام رئيس الحكومة بالبرنامج الاقتصادي والسياسي الذي قدمته حكومته ونالت الثقة من مجلس الأمة على اساسه، الرجل يقدم أداء صادقا بلا حسابات شخصية ولا انحيازات، لهذا يتوخى الشفافية والوضوح والجنوح إلى تحقيق مصالح دولة قبل مصالح فئات او قوى، وقد يندرج ضمن هذا المفهوم القرارات غير الشعبية القاسية على بعض الفئات، ومثل هذا الأداء طبيعي حين يقسم مسؤول على تحمل الولاية العامة وتبعاتها، ويكون مسؤولا عن أي إخفاق أو تقصير يسقط فيه هو أو أحد أعضاء فريقه الوزاري..
من بين الأخطاء التي وقع فيها وزراء؛ تلك المتعلقة بالإستراتيجيات وبرامج العمل في وزاراتهم، حيث تراجع بعضهم عن بعض التوجهات والسياسات في وزارته، حين اقتنع رئيس الحكومة بأن لا جدوى من السير في هذا المسار، وأن ثمة طريقة أفضل وتخدم المصلحة العليا للدولة، وتقلل من التصادم مع القوى الأخرى، والشواهد على مثل هذه الأخطاء كثيرة، وعلى أساسها تم إجراء تعديلات على الحكومية وشملت بعضها مناقلات او انتقال لوزراء من حقيبة إلى أخرى، وهناك نوع آخر من الأخطاء، سقط فيها بعض الوزراء، فمنهم من تراجع واستقال ومنهم من اعتذر وانتظر أو ما زال ينتظر رأيا من رئيس الحكومة حول هذه الأخطاء، التي قد تكون بسيطة في عرفنا كمواطنين او كجهات اعلامية معنية بالحقيقة، لأنها كانت تحدث في الماضي، بل وتحدث دوما، لكن لا يستشيط الرؤساء غضبا على الوزراء ويلفتوا نظرهم بطرق ما، كتوجيه الإنذارات من نوع الأصفر إلى «البرتقالي»، وهو اللون الذي يسبق الأحمر كما نعلم، وهنا تكمن المفارقة وهي لصالح الدكتور هاني الملقي، فعدم صمته عن بعض الأخطاء التي ربما كانت عادية في عرف بعض الحكومات، كانت تلك الحكومات ورؤساؤها يتغاضون عنها ولا يلتفت الاعلام ولا الشارع إلى أكثر من ابرازها في خبر او تحليل، لكن على دور حكومة الملقي أصبحت مثل هذه الأخطاء العادية قاتلة للمسيرة السياسية بالنسبة للوزير المخطئ، وقد تكلفه الخروج من الحكومة على الفور، إذ يؤكد الملقي بأنه لن يتوانى عن إخراج أي وزير من تشكيلة الحكومة حال سقوط الوزير في خطأ.. طريقة جديدة، أعني لم نألفها من قبل في الحكومات الأردنية، لكننا نراها اليوم تحدث، ويتعهد رئيس الوزراء بأن لامكان للمخطىء والمقصر في حكومته، واللافت أن لا أحد يتحدث عنها كما يجب، باعتبارها إيجابية على طريق تصحيح مسار أداء الحكومات وتحقيق الثقة في الحكومة وبرامجها، وهنا بالذات يبرز سؤال عن دور الاعلام الرسمي ومدى تأثيره ومجاراته لمثل هذه التغييرات التي تقع أيضا في صلب الإصلاحات السياسية وتجذير السلوك الديمقراطي والنزاهة وتعميق الحس بالمسؤولية القانونية.
أنا لا أروج لحكومة الملقي؛ بل أتحدث بوجهة نظري حول شفافية والتزام الدكتور الملقي ومصداقيته، ومثل هذا الأسلوب في إدارة الولاية العامة كان مطلبا للجميع في أوقات سابقة، لكنه حين تحقق مع رئيس كالملقي لم ينل اهتمام الاعلام، ولم يحظ لا بتحليل ولا بحديث متوازن، وكأننا كنا نعتاد هذه التصرفات في حكومات سابقة، وأكاد أجزم لو تعامل بعض رؤساء الحكومات «أيام زمان» بربع هذه المصداقية لوجدتنا ننشد القصائد والأغاني فيهم ..الدستور