فنجاني والبصّار
يا ولدي : هاتِ الفتجان سأفتحُ ..بصّارٌ يعرفُ أوجاعك..! يا لهو اللهوي ..ما هذا ..؟ سيجارة قهرٍ تشعلها بالماء و أنت مريضٌ جداً ..!! تفسير السيجارةِ صوتٌ مخنوق مدهونٌ بالدمعة ؛ والقهر سماءٌ واسعةٌ ؛ و الماءُ: العطشُ الساكنُ فيكِ على مدّ العمرِ وأما المرضُ اللاعبُ فيك فذاك حذاؤكَ في الدنيا ..مهما تركضُ في كلّ جهاتك سوف تعاني خطواتك من طبْعِ حذائك..!
انظرْ ..في فنجانك ..قرمزْ قربي ..ركّزْ في هذي الجهةِ المملوءة تعريجاتٍ ..أترى ذاك الخطَ المتشعِّب والنقطةَ في منتصف الدرب.. تحاولُ هذي النقطةُ أن تكبر ..ركّزْ..وتحاول أن تمنعَ خطَّكَ من ألفِ مرورٍ نحو الطابور و نحو التعويض و نحو الدّكانِ و نحو الأغوار و نحو المسؤولين جميعاً ..تحاول أن تمنعك من نحو الأنحاء ..! وأنت تقاومها ..تبعد عنها ..تتبعُكَ..تُلقي أسلحةً متفجرةً في دربك ..!! انظر ..ركّزْ ..ها أنت تُغمِّضُ عينيكَ و تمشي..! تلك النقطة يا ولدي ..لم أرها قَبْلاً في تبصيري رغم الخبرةِ ..هذي النقطةُ لا أعرف كيف أفسِّرها ..لكنّي أنصحُكَ الآن الآن و ليس غداً أن تُكثرَ من أكل البيضِ وشرب البيبسي وقتَ الجوع ؛ وهذا من باب الحيطةِ لا أكثر..!
يا ولدي ..منذ الآن سأعتزلُ التبصيرَ ..لقد عقّدتَ جدود جدودي ..! ما هذا ..؟ لا يمكن هذا ؛ لا يمكن هذا ..!!
و انتفضَ البصّارُ كملدوغٍ ..أمسكَ فنجاني ..ورماه من الشبّاكِ كَمَنْ يبعدُ ناراً عنه ..وكان يقول بصوتٍ مرتجفٍ : يلعن شرفي إن عُدتُ إلى التبصير ..أبيعُ العلكة منذُ الآن ولا أقرأُ فنجاناً ..حرّوماً برّوماً..!
(الدستور )