2024-10-28 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حول الصفقة المعروضة على الإخوان

معاذ عاطف التل
جو 24 :

لا أدري مدى دقة المعلومات التي تناولتها صحيفة القدس العربي حول وجود محاولات من النظام الاردني لاشراك الاخوان المسلمين في الحكومة البرلمانية القادمة، وتعيين عدد منهم في مجلس الاعيان، من الناحية المبدئية فلا مشكلة في المشاركة في ظل وجود عملية اصلاح حقيقية، او في ظل وجود نظام ديمقراطي متجذر.
أعتقد شخصيا أن المعلومات صحيحة وهي تتناسب مع طبيعة تفكير النظام الاردني وناصحيه الغربيين في المرحلة الحالية، فمن الواضح ومنذ اليوم الاول لوضع قانون الانتخاب الحالي أن هناك رغبة جدية لدى النظام الاردني بإشراك اكبر قدر من قوى المعارضة في الانتخابات، وخاصة الحركة الاسلامية؛ نظرا لما يبدو من قوتها على الارض، المشكلة ان النظام لم يظهر لغاية الآن أي جدية للقيام بعملية اصلاح حقيقي يقرر فيه المواطن مصيره بنفسه عبر قانون انتخاب وطني وعادل، وكل ما في الامر أن مؤسسات القرار التي يهيمن عليها اصحاب مصالح خاصة، ينصب تفكيرهم على محاولات الالتفاف على الاصلاح لا تقديمه بشكل حقيقي (لا مرة واحدة ولا تدريجي).
بعض التقارير المسربة تشير الى ان الولايات المتحدة نصحت النظام بضرورة اشراك الاسلاميين بالانتخابات؛ لأن انتخابات بدونهم مشكوك في شرعيتها في ظل ظروف «الربيع العربي»، ونظرا لقوتهم على الارض، النظام وناصحوه أرادوا ذلك، لكن بشروطهم هم، وهي تقتضي عدم السماح للاسلاميين ولباقي قوى المعارضة، وخاصة الناشئة منها والمتحالفة مع الاسلاميين، بتشكيل اغلبية بالبرلمان وذلك عبر قانون الانتخاب الحالي؛ فتشكيل اغلبية معارضة في البرلمان سيقود الى افشال المخططات التي سيتم تنفيذها في المرحلة القادمة -سياسية واقتصادية- وسيمس مصالح افراد مستفيدين من الوضع الراهن، بالاضافة الى تخوف الغرب من ان سيطرة الاسلاميين على مصر وتونس، وربما سوريا والاردن، وفي ظل انظمة شعبية منتخبة قد يؤدي الى قيام وحدة في المشرق العربي تشكل خطرا داهما على «اسرائيل»، وعلى بعض الانظمة العربية المتهالكة التي كشفت عن نوايها بشكل فج، وخاصة تجاه التجربة المصرية الوليدة.
النظام بدوره يفهم المعادلة معكوسة؛ فهناك اعتقاد خاطئ لديه أن قوة الحركة الاسلامية في الشارع تعني ان الشارع مرتبط بنيوياً بها، وأن وجود حضور قوي نوعا ما للحركة الاسلامية لا يعني ان هذا الامر دائم، هناك حالياً اعتقاد لدى جمهور واسع، سواء من انصار الحركة الاسلامية التقليديين، او حتى من غير انصار الاسلام السياسي، أن الحركة لديها القدرة على حل مشاكل الناس الرئيسية (الفقر، البطالة، التفاوت الطبقي، غياب التنمية في الاطراف، غياب مفهوم المواطنة الحقيقي.. إلخ).
من الناحية النظرية تملك الحركة الاسلامية برنامجا لحل مشاكل الناس، لكن يصعب الحكم عليه الا بالتجربة العملية التي ستبين مقدار النجاح من عدمه.
ماذا لو استطاع النظام اقناع الحركة الاسلامية بالمشاركة في الحكومة القادمة، ثم رأى الناس أن هذه الحكومة عاجزة تماما عن حل مشاكله، فهل ستبقى قوة الحركة الاسلامية في الشارع نفسها؟ وهل ستبقى قدرة تحريك الشارع مرتبطة في جزء كبير منها بالحركة الاسلامية ؟ بالتاكيد لا؛ فالتفاعل المجتمعي قادر على خلق قوى جديدة تعبر عن مصالحه، وتأخذ من حصة الحركة الاسلامية.
هناك أمر آخر وهو أن مؤسسات صنع القرار ربما تعتقد أنها بهكذا طرح قادرة على تحويل بعض الخلافات الحالية في الحركة الاسلامية الى انشقاق عامودي يضعف الحركة، ويشل قدرتها على التأثير، ورغم أني شخصيا أستبعد هذا الامر، فقد يكون للنظام قدرة على اقناع بعض قيادات الحركة بالمشاركة في حكومة او مجلس اعيان، خارج قرار رسمي من الحركة نفسها، لكن سيبقى الامر محدوداً، وفي اطار طبيعي نوعا ما، ولا اعتقد انه سيصل الى حد فكفكة الحركة الاسلامية.
الهدف من كل العملية الانتخابية واضح، هناك قرارات اقتصادية صعبة قادمة، وهناك قرارات سياسية خطيرة تهدف الى اعادة ترتيب المنطقة؛ عبر تفكيك الدولة الاردنية الجاري العمل عليه منذ سنوات، ثم اعادة ربطها بتجمعات فلسطينية محدودة (لا دولة حقيقية) وتحت قيادات أخرى يمكن تسميتها بالوطنية، لا تمثل أبدا مصالح الشعبين او قل الشعب الواحد، بل مجرد افراد تحولوا الى اصحاب «بزنس» مرتبطين بقوى الرأسمالية العالمية، وبعيدا عن أي مشروع وطني حقيقي، يريد النظام الاردني اكبر قدر من قوى المعارضة والقوى الشعبية في المجالس صاحبة القرار، مع ضرورة أن لا يكون لها تأثير في القرارات القادمة؛ أي مجرد شهود زور، لا يريد أبداً غالبية معارضة يمكن ان توقف السير نحو الهاوية عبر تحويل الدفة كاملة، والعمل على خلق واجتراح حلول جديدة، فأولى هذه الخطوات ربما هي فكفكة مؤسسة الفساد، وهي المؤسسة المشرفة حاليا على القرارات!! واعادة ثقة المواطن بمؤسسات صنع القرار.
الأمر الذي يجب أن تنتبه إليه قوى المعارضة والحركة الاسلامية تحديدا -كونها الجسم المتماسك الاقوى حاليا- هي الحذر من الدخول في لعبة النظام التي يريد بها شرعنة كل محاولاته الجديدة؛ للتغطية على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الاردني المظلوم، والجرائم التي سترتكب قريبا.
(السبيل )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير