jo24_banner
jo24_banner

في عيد العمال

معاذ عاطف التل
جو 24 :

ربما لم تتعرض فئة العمال في الاردن لظلم وتهميش تاريخي كما تعرضت له في السنوات الاخيرة، فمع انخراط الاردن في منظومة العولمة العالمية، وكطرف رأسمالي تابع وليس مركزي بدأت اوضاع عموم المواطنين ومنهم طبقة العمال بالتدهور، ورغم ذلك قادت هذه الطبقة بوعيها المميز نضالات حقيقية في الفترة الاخيرة، من عمال الموانئ الذين قدموا درسا هاما في النضال والتضحية وفي فترة صعبة (قبل الربيع العربي) وذلك حين أعلنوا اعتصاما مفتوحاً مطالبين بحقوق مشروعة لهم، فكان ان دفعوا ثمناً لذلك شهيداً واصابات بالغة في صفوفهم حين تعرضوا لهجوم عنيف من قوات الامن لفض اعتصامهم، ايضاً لا بد من الاشارة الى نضالات عمال المياومة الاردنيين في مختلف مواقعهم، وإصرارهم على نيل حقوقهم من الدولة التي اصبحت ممثلة لمصالح طبقة محدودة من السماسرة والمنتفعين الزاحفين على بطونهم لسفارات الدول الغربية، وتحديداً سفارة الولايات المتحدة. 
تسعى الرأسمالية العالمية عبر تشكلها الحديث المسمى «العولمة» الى تكسير كل الحواجز والموانع لنقل السلع والبضائع بين الدول، وهي في طريقها لذلك تخلق اشكاليات كثيرة متعددة، حيث لا يمكن مقارنة وضع الصناعة الناشئ في بلدان العالم الثالث بوضعه في دول الشمال المتقدم، ولهذا لا يمكن لدول العالم الثالث أن تقبل بما يطلب منها من رفع الدعم كاملا عن الصناعات المحلية لتنافس الصناعات الغربية؛ بحجة ان هذا الامر سيطبق على الطرفين! هذه الكذبة الكبرى كانت الولايات المتحدة تتخلى عنها في ساعات الحرج كثيرا، وخاصة مع دولة كالصين، فتقوم بالتهديد بوضع تقييدات على دخول البضائع الصنيية لبلدها اذا لم تستجب الصين لبعض شروطها الخاصة، بالاضافة الى ان دول الشمال المتقدم تسعى الى خلق طبقات تابعة لها في الحكم، تكون اهم وظائفها تسليم كل ثروات البلد لشركات تلك الدول عابرة القارات، مقابل لعب دور الوكيل الذي يقبض أجراً على «بيع ما لا يملك اساسا»، وما لا يحق له التصرف به دون الرجوع الى الشعب عبر ممثليه الحقيقين لا المصنوعين بشكل مبرمج كما يحدث في الانتخابات الاردنية، ايضا سيؤثر الانخراط في العولمة الى تغيير اجباري غير مرغوب في الاخلاق والعادات، وسيمس بالمشاعر الدينية، حيث يجب أن لا يكون هناك موانع ثقافية في وجه حرية تدفق السلع والبضائع والمعلومات.
في الاردن وفي السنوات الاخيرة تعرضت طبقة الصناعيين الاردنيين -أي البرجوازية الوطنية- لضربات متلاحقة لصالح طبقة المستوردين ووكلاء الشركات العالمية؛ أي البرجوازية الطفيلية، حيث كان هناك نوع من التطور البطيء للصناعات المحلية بمختلف اشكالها، لكن منذ انخراطنا بالمنظومة الرأسمالية العالمية، وكما اسلفت كطرف تابع فإن النتائج السلبية بدت تظهر وتتفاقم، فما تعرضت له طبقة البرجوازية الوطنية لضربات الحق الضرر تلقائيا بالعمال من تسريح أو تخفيض رواتب، وتخفيض في رفاهية شروط العمل وحقوق التعويض هو اشبه بما كان يحدث في بدايات عهود الثورة الصناعية من ساعات عمل طويلة واستغلال للمرأة وللاطفال. ان ضرب البرجوازية الوطنية قطع الطريق على التطور الطبيعي لها، وهو الذي كان سيؤدي الى توسع سوق العمل، كما حصل في بعض الدول المجاورة (تركيا على سبيل المثال)؛ وبالتالي سيؤدي الى خلق الصراع بين ارباب العمل وطبقة العمال -الصراع بمعناه الايجابي- عبر تكوين النقابات والاحزاب المعبرة لمصالح العمال، ثم الضغط على أرباب العمل لتحصيل الحقوق وتحسين الظروف.
كل هذا لم يحدث بالاردن، بل تضخمت طبقة المستوردين ووكلاء الشركات الاجنبية وانتشرت ظاهرة المولات الضخمة وسلاسل المطاعم الكبرى والصيدليات الكبرى وغيرها، مما ألحق الضرر بالطبقة المتوسطة من اصحاب الحرف والمحلات والمطاعم الصغيرة وبالعمال والمهنيين، خاصة أن طبيعة الاعمال التي تشتغل بها طبقة البرجوازية الطفيلية لا تحتاج إلى ذلك العدد من العمالة المنتجة.
لقد أدت التحولات الاخيرة في السياسة الاردنية المرتبطة بالتبعية العمياء الى الحاق الضرر بطبقة العمال المحورية في بناء اي بلد، ومن الامثلة البسيطة على ذلك هو ما قامت به احدى الحكومات المعبرة بوضوح عن طبقة البرجوازية الطفيلية والاستغلال والفساد، وذلك قبل انطلاق «الربيع العربي» بقليل، حين فصلت عددا من عمال المياومة في وزارة الزراعة من اصحاب الدخول المتدنية؛ بحجة تخفيض النفقات! وكان يمكن توفير هذا المبلغ بسهولة؛ عبر تخفيضات بسيطة وسريعة في مصاريف بعض المؤسسات المترفة والمؤسسات المستقلة، وفي مصاريف بعض كبار المسؤولين الكثيري الاسفار، دون أي داعٍ أو مردود ايجابي، بالاضافة الى إدانة الحكومة نفسها وسابقاتها التي ادى اهمالها قطاع الزراعة الى هذه النتيجة، فلو نظرنا مثلاً الى الاغوار المحتلة في الجانب الآخر، لرأينا كيف أصبحت مصدر تشغيل ودخل عال لدولة العدو الصهيوني ومواطنيها!
والمثال الآخر على التعامل السيئ مع العمال، هو ما قامت به الحكومة الحالية من جريمة تسفير أعداد كبيرة من الاخوة العمال المصريين ممن ساهموا ببناء الوطن وقضوا زهرة شبابهم في اعمال متعبة ومرهقة، واختلطوا بهذه الارض التي أحبوها عملا لا قولاً، فبادلتهم حباً بحب، فهل يعقل ان يكون جزاؤهم الطرد والتسفير لأسباب على الاغلب سياسية، وفي اطار الضغط على النظام المصري الحالي، وهنا ليس المقصود الدفاع عن النظام المصري بقدر ما هو ضرورة ان لا يكون اخواننا العمال المصريون عرضة للتجاذبات السياسية، وضرورة تقدير ما قدموا لهذا البلد، فجواز السفر لم يكن يوماً ولن يكون هو دليل الولاء والانتماء بقدر ما هو العمل الجاد والمنتج، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اذا قامت الساعة وبيد احدكم فسيلة فإن استطاع ان لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».
ان ما حدث مع هؤلاء الاخوة العرب يدل على حجم المعاناة التي تكابدها الطبقة العاملة، وهي الطبقة التي لا يميز المنتمون لها بين شخص وآخر بناء على اصل وفصل، بل هو الجهد والكد الانساني، هناك قوانين يجب تعديلها، وهناك ظروف يجب تحسينها وقد اعطى «الربيع العربي» حافزا للجميع على المطالبة بحقوقهم عبر آليات سلمية كالاعتصام والتظاهر والاضراب عن العمل، وهذا ربما يجعل النظرة للمستقبل فيها شيء من الايجابية بعد ان تحرر العقل العربي من أغلال الخوف والخنوع للظلم.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير