يوم الارض ويهودية الدولة
مرت قبل أيام ذكرى الانتفاضة التي أشعلها أهلنا في فلسطين عام 1976، احتجاجاً على مصادرة إسرائيل آلاف الدونمات من أراضي فلسطين، والتي استشهد فيها عدد من الشباب المنتفض، وأصبحت رمزاً حيا في الذاكرة الفلسطينية والعربية تحت مسمى يوم الأرض، إن يوم الأرض هو التعبير الرمزي لرفض فكرة دولة إسرائيل برمتها وليس مجرد فكرة رفض مصادرة أراض فلسطينية، خاصة ان غالبية تلك الاراضي المصادرة كانت مما يسمى بالأراضي الميرية او الاراضي المشاع، ومن المعلوم ان اسرائيل أرادت استغلال تلك الأراضي لبناء المستوطنات والمؤسسات الصهيونية؛ مما يعني مزيداً من التهويد، إن رمزية يوم الأرض المتمثلة في رفض سياسات التهويد، والتي لا يمكن لاسرائيل الاستمرار بدونها كونها إحدى المستلزمات الضرورية لاعطاء الدولة الصهيونية القدرة على الاستمرار ككيان مطلوب منه تأدية خدمات لقوى خارجية على حساب شعوب المنطقة.
تحاول الولايات المتحدة الآن إحكام سيطرتها على المنطقة عبر عدة امور، يبرز أهمها اختراق المنطقة وتفتيتها طائفيا وإثنيا وحتى قبليا وجهوياً، في حال كان الشعب يتكون من طائفة واحدة في غالبيته، ولا يوجد أساس للتفرقة الدينية فيه (الاردن مثلاً )، ولا شك ان اسرائيل مستثناة من هذه الرغبة التفتيتية، فهي الاداة الاساسية لتنفيذ تلك المخططات، ومطلوب ان تبقى دولة قوية متماسكة في أعلى حالات الجاهزية، ما دامت قانعة بأداء المهمات الموكلة لها.
والغريب انه مع كل التقدم الانساني والفكري الذي وصلت اليه البشرية، ومع رفض الغرب الدائم للتمييز الديني ومحاولته التدخل في شؤون العرب والمسلميين، واستغلال اي حادثة للتحذير من المساس بالاقليات، ومع رفض الغرب نفسه بتاتا تقسيم شعوبه على أساس طائفي او ديني، الا انه يفاجئنا وعلى لسان رئيس الولايات المتحدة بضرورة الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل!.
ان عجز الرئيس أوباما في الرد على منطق الشاب الشجاع ربيع عيد الذي اعترض على كلامه عن يهودية الدولة على أساس ان هذا يتنافى مع مبادئ الدول الحديثة، والاكتفاء بالقول ان حديث ربيع عيد يدخل في باب حرية الرأي !
يظهر ان الفكرة اساسا ليست قضية قناعة بقدر ما هي قضية مؤامرة هدفها توحيد هوية الشعب الاسرائيلي مقابل تحطيم الهويات الوطنية المحيطة، ومنعها من التوحد بشكل ارقى(قومي )، وذلك بإعادة تشكيلها بلبنات اصغر(طائفيا واثنيا وقبائليا ...) ثم ادخالنا في أتون صراعات داخلية لن نجني منها الا الدمار، وتستفيد منها اسرائيل ومن يقف وراءها!!
قد لا يكون المطلوب من يهودية الدولة ان يعلن عرب فلسطين الحاملون للجنسية الاسرائيلية تحولهم عن دينهم، سواء الاسلامي او المسيحي، بل المطلوب لا شك هو ان تصبح مشاعر هؤلاء وولاؤهم لاسرائيل تماما كما اليهود، فلا إحياء لذكرى النكبة بل احتفال بقيام دولة اسرائيل! ولا حديث عن ان العربي السوري والاردني أقرب وجدانيا الى الفلسطيني من اليهودي الذي يحمل نفس جنسيته.
لم يكن للعرب والمسلمين تاريخيا مشكلة مع اعتناق أي كان دينا ما، وعاش اصحاب الاديان المختلفة في كنف الدولة الاسلامية على الدوام متمتعين بحرية لم يتمتع بها اصحاب نفس الدين من الطوائف الاخرى في بلادنهم نفسها، وساهم كثير منهم ببناء الحضارة العربية الاسلامية، لكن حين تتصرف كتلة ما بطريقة تخريبية وتقبل لنفسها ان تكون أداة خارجية لقوى معادية للامة فلا بد من ايقافها عند حدها، والمثال الاشهر هو وثيقة المدينة التي وقعها الرسول(صلى الله عليه وسلم) مع يهود يثرب، واعتبر فيها المسلمين واليهود امة واحدة، ولو انهم لم يتآمروا على الرسول الكريم مع اعدائه ولم يقفوا ضد مشروعه الحضاري الموحد لما تعرضوا لما تعرضوا له، في العصر الحديث عاش اليهود في فلسطين وباقي الدول العربية بكل أريحية لغاية قيام دولتهم المشؤومة، بل حتى بعد قيام دولة اسرائيل بقي عدد منهم في سوريا واليمن ولبنان وتونس والمغرب ولم يتعرضوا لاي شكل من اشكال المضايقة، لكنهم مرة اخرى يقبلون(بغالبيتهم) أن يعودوا للعب الدور التآمري لصالح أعداء الامة العربية عبر ما يسمى بدولة ( اسرائيل ) ليكونوا الاداة الرئيسية لتخريب المنطقة التي عاشوا فيها لفترات طويلة دون اي اضطهاد او اقصاء !!
يهودية الدولة فكرة خطيرة جدا وليست مجرد فكرة عادية كما قد يعتقد البعض، وهي مرتبطة بمجمل التصور الامريكي الاستعماري للمنطقة ككل، والتي تريد ( شعوبا عربية ) مفككة محكومة من قبل عملاء صغار مرتشين، مقابل (دولة اسرائيل القوية المركزية القائمة على فكرة يهودية الدولة) والتي يرفضها طبعا عرب الداخل، والذين يتم وضعهم الآن أمام خيار الصعب، وقد اثبتوا باحتفالهم بذكرى يوم الارض بشكل مميز هذه السنة انهم ما زالوا على العهد، ونحن واثقون من قدرتهم الدائمة على اختلاق آليات جديدة للنضال ضد هذه الدولة، فهذا ما ميزهم على مدار خمسة وستين عاما من عمر الاحتلال لهذه الأرض العربية الطاهرة.