عين وعيون
فقد عدنان الهواوشة حبيبته لأجل الوطن، واستعد أن يفقد عينه الثانية ليفتح عين الشعب على الفساد المستشري الذي لا يراه التائهون في البحث عن لقمة العيش، أو يتناسه الغارقون في رغد العيش، أو يعرض عنه الخائفون من ضنك العيش.
العينان أعظم النعم الربانية على الإنسان، ولذا كان الابتلاء بهما عظيما ليس له جزاء غير الجنة، فجاء في الحديث: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة»، ولذا كان وزر من يعتدي عليهما أيضا عظيما، وكانت الشرائع والأديان من قبل الإسلام تعاقب بالمثل، فمقابل العين عين مثلها، والسن بالسن، والبادئ أظلم، الا أن ذلك قد يحول الوطن الى غابة يستأسد اقوياؤها على ضعفائها فيضيع الرشد والميزان والحق، ولكن هل دولة القوانين أحسن حالا في تحقيق العدالة وتحصيل حقوق الضحايا من مواطنيها؟
العينان من أعظم النعم الربانية على الإنسان، ولذا جعلهما الله من الشاهدين المسؤولين على الانسان والمجتمع (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا) فالإنسان سيحاسب على هذه النعمة وما فعل بها، هل رأى الفسق والفجور والعصيان بعينيه ثم أعرض عنها بالسكوت والخذلان أو اللامبالاة وهو خليفة الله في الأرض والمؤتمن على إقامة الشرع؟
ولكن تضحية الهواوشة لم تذهب هدرا بشكل ما، فقد تفتحت عيون الشعب الأردني على مبادرة للتبرع بالقرنيات في حملة «من عيوني حياة» التي انتهت بالتبرع بـ3540 قرنية ستوفر الضياء والأمل والحياة لآلاف المواطنين، وهذه علامة أن المجتمع ما زال عفيا يفكر بعضه ببعض، وينصر بعضه بعضا!
دخل الأردن موسوعة غينيس بهذه المبادرة الجليلة التي مسحت شيئا من عجزنا وخجلنا، ونحن نتبوأ دائما من الاحصائيات والدراسات أدنى المراتب في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان والتقدم والشفافية، ويزداد تراجعنا عاما بعد عام على الرغم من الإصلاح الرسمي المزعوم، ونجاح المبادرة وتفوقها إنما يؤكد قدرة الشعب والمد الجماهيري في إحداث التغيير الحقيقي دون انتظار وعود الحكومات التي لم تسلمنا سوى لسراب الأماني.
ليس المهم أن تصاب، وان كان مصاب عدنان جليلا، المهم أن تتعافى وتقف بعد كبوتك وتعالج جذور المشكلة لا مظاهرها ونتائجها فقط.
عين عدنان وعيون المتبرعين هي ما سيرسم صورة مستقبلية مشرقة لهذا الوطن، حتى وان حاول المفسدون مؤقتا تغطيتها بغربال، الا أن شمس الاصلاح ستخترقها لتشع قريبا على الأردن والأردنيين، فشعب يقدم عيونه اليوم للوطن سيقدم روحه وأغلى ما يملك غدا،
أما عدنان الهواوشة فخاطبه من قبل محمود درويش فقال:
يا دامي العينين والكفين!
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل!
نيرون مات، ولم تمت روما
بعينيها تقاتل!
وحبوب سنبلة تجف
ستملأ الوادي سنابل
عين فُقئت ستملأ الأردن عيونا، فماذا سنفعل بأمانة العيون؟
(السبيل )