jo24_banner
jo24_banner

وِرد الفاتح والفتح

ديمة طهبوب
جو 24 : جميل أن يكون للمرء علاقة خصوصية بالقرآن، فالقرآن مائدة وحديقة وروضة يختلف جنى القلوب منها بحسب فهمها واقبالها وقدرها عند الله، الا ان المسلمين في عصور الانحطاط نزعوا من القرآن صفاته العملية ورسالته التطبيقية وأبقوا على المعنى التعبدي بالتلاوة والتبرك حتى استحدث بعض الناس للاسف نسخة مصغرة من القرآن او قرآنا للجيب يشتمل فقط على السور ذات الفضل المرتبطة بالمعاش والرزق والحفظ من العين والسحر والرقية وما يتلى على الاموات وهذا لا بأس به، فالقرآن أنزل شفاء للأبدان ولكنه كذلك شفاء للأفهام السقيمة والقلوب الآسنة والهمم المتخاذلة، ولا يستفيد منه حق الاستفادة الا من أقبل عليه واغتنم منه بكل صوره وعاش فيه وبه ومعه حتى يتلبسه فيصير كما صارت صفة خير القرون الاولى مصحفا يمشي على الأرض.
كانت معلومة رائعة وحديثا ملهما لا أدري كيف غفلنا عنه من سيرة المصطفى وسنته ذلك المتعلق بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسورة الإسراء كل ليلة قبل النوم حيث جاء في الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان لا ينام حتى يقرأ بني اسرائيل (اي الإسراء) والزمر كل ليلة؟! نعم كل ليلة!! لا ينام حتى يقرأها!!
ولكن ماذا في سورة الاسراء خصوصا حتى يحرص عليها كل يوم في وقت مبارك تصفو فيه النفس ويتوقد الفكر؟ ما هو الدرس الذي أراد للمسلمين ان يتعلموه من خلال لزوم هذا الورد القرآني الليلي؟! هل كان الحنين الى رحلة السماء وتعميق الارتباط بكل ما جاء فيها من وراثة للدين والمقدسات وتعليق للمؤمنين بالارض المقدسة وتحذيرا من أشد أعدائهم؟ هل قصد توجيه المؤمنين الى المآل والمستقبل والمعركة الفاصلة التي لن يكون من جندها سوى ثلة من اصفاهم الله فيوصفه "عبادا لنا" فإذا أردت ان تكون منهم فهذا وِرد قائدهم وسنته وسيرته؟
لقد كان اختيار الاسراء كوِرد يومي ليلي اختيار من لا ينطق عن الهوى ليربط مبتدأ الامة بمنتها هو الجنود الاوائل بتابعيهم الذين افتخر الرسول بهم في حديث آخر فقال "واني لاعرف أسمائهم واسماء ابائهم وألوان خيولهم هم يومئذ خير الفوارس على ظهر الارض" كان لزوم ورد الاسراء هو المنهجية المحمدية ليتربى من لزمه من الاولين والاخرين على رهبنة الليل وفروسية النهار.
لقد كان ورد رسول الله صل الله عليه وسلم اختيار من أراد أن يعلقنا بالقضايا المصيرية والاحداث الجليلة التي ستدور حياة الأمة ومصيرها حولها، فالربط بين المسجدين والقبلتين كان حدثا تجاوز الزمان والمكان ومن تحت قدميه في المدينة حيث قويت دولة الاسلام كان المصطفى ينظر بعين المشفق والمتأمل والواثق بنصر الله الى آخر بيعة هدى ستكون في بيت المقدس وآخر خلافة فأراد ان يتعلم المسلمون دروس سورة الاسراء حتى تكون لهم عدة الفهم وسلاح من أسلحة الاستعداد والتحضير للفتح والنصر القادم.
كانت روحه صل الله عليه وسلم ترتحل يوميا كل ليلة، وما كنا نعرف سوى عن رحلة الاسراء والمعراج، في تجليات القرآن نحو أرض البركة حيث عمود الهدى حيث الملائكة باسطوا أجنحتهم حيث صفوة الله من عباده حيث الأمان من الهرج والمرج والفتن، فوصلها كل يوم وكل ليلة بهم القلب وشوق النفس وظل قلبه معلقا بمصيرها حتى فاضت روحه وهو يوصي بإنفاذ بعث جيش اسامة الى الشام حيث سيمهد للفتح الاكبر وكأنه يقول لنا وطنوا قلوبكم في تلك البقعة فهناك وعد الآخرة ومستقبل الدين والأمة وهناك ايضا أكبر المخاطر والتحديات.
كان لا ينام حتى يقرؤها صل الله عليه وسلم ويبدو وصف الفاتح المقدسي صلاح الدين الايوبي متسقا مع هذه السيرة فلقد ورد في وصفه انه كان عنده من بيت المقدس أمر عظيم فكان لا ينام ولا يُنيم من قدر ما انغم وانهم واستصعب الملم وكان يعس ليلا على خيم جنوده يتفقد ضوء روح القدوس وعزيمة بيت المقدس فيهم حتى وان انطفأت أنوار الخيم.
بهذا التعامل مع القرآن نفهم لماذا كان هو المعجزة ولماذا انتقل بذلك الجيل من جاهلية ودرك أسفل ليصبحوا سادة الدنيا وبهذا نفهم ايضا لماذا تراجع دور القرآن في حياتنا بكل الاحوال والاشكال حتى أصبح مهجورا في التطبيق ان لم يهجر في القراءة باللسان.
صل الله على محمد سيد الفاتحين الاولين والاخرين فهذا هو النهج ولا غيره لمن أراد ان يتبع من العالمين.السبيل
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير