اوراق الملك
اعتبارا من يوم أمس، بدأت الصحف اليومية ومواقع إلكترونية بنشر أوراق نقاشية للملك عبدالله الثاني، أعدها على شكل مقالات حملت توقيعه الشخصي "عبدالله الثاني ابن الحسين"؛ يعرض من خلالها رؤيته للإصلاح الشامل في الأردن، منطلقا من محطة الانتخابات النيابية المقبلة كنقطة ارتكاز تؤسس لمرحلة جديدة في حياة الأردنيين.
ويسعى الملك من وراء هذه الخطوة غير المسبوقة "إلى تحفيز المواطنين للدخول في حوار بناء حول القضايا الكبرى التي تواجهنا".
ولم يشأ الملك أن يتصرف كزعيم يملي على شعبه الأفكار والقناعات، ولذلك حرص في أكثر من موقع في المقال على التأكيد بأنها أفكار "نقاشية"، يتعين على النخب السياسية أن تغنيها بالحوار الهادئ والموضوعي والجريء، بدون تزلف أو تملق سئم منهما الملك والشعب.
الورقة الأولى يمكن وصفها بالاستهلالية، إذ يركز فيها الملك على تأصيل المفاهيم والمبادئ الأساسية الناظمة لعملية التحول الديمقراطي، أو الديمقراطية المتجددة كما اقترح تسميتها.
وفي هذا الصدد، أشار الملك إلى أربعة مبادئ هي: احترام الرأي الآخر كأساس للشراكة بين الجميع؛ المواطنة المقترنة بواجب المساءلة؛ الحوار مع احترام حق الاختلاف في الرأي كجوهر للديمقراطية؛ وأخيرا، الشراكة الوطنية في التضحيات والمكاسب. وفي القسم الأخير من الورقة الأولى، توقف الملك عند سؤال جوهري: كيف نتأكد أننا نسير على الطريق الصحيحة؟
لا يمكن لأحد أن يختلف مع هذه المبادئ. لكن تثبيتها كأسس لحوار منتج، هو أمر حيوي في مرحلة شهدت وتشهد صخبا وتراشقا إعلاميا انعكسا بشكل سلبي على علاقة المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد. كما أن الطريقة التي أدارت بها الحكومات الأوضاع العامة أدت إلى حالة من الاستقطاب الحاد، كادت في بعض محطاتها تعرّض السلم الأهلي للخطر.
تواجه البلاد وهي على أبواب استحقاق سياسي كبير، انقساما عميقا، ولا بديل عن الحوار لتجاوزه. بهذا المعنى فإن الأهداف المرجوة من الحوار تتعدى في أهميتها الانتخابات النيابية. ومن الظلم رهن التوافق على "القضايا الكبرى" التي يطرحها الملك بالعملية الانتخابية الجارية، لأن أحدا منا لا يستطيع الجزم بأن مخرجات يوم الثالث والعشرين من الشهر المقبل قادرة على تحقيق الطموحات الملكية في بناء نظام ديمقراطي أصيل.
المرحلة المقبلة، كما أكد الملك، تحتاج إلى حلول توافقية لم نتمكن من الوصول إليها قبل الانتخابات، ولا سبيل أمامنا سوى العمل لتحقيقها بعد الانتخابات، وبمشاركة من الأطياف السياسية كافة؛ من شارك منها في الانتخابات ومن قاطع.
وفي هذا الصدد، ينبغي على قوى المعارضة أو المقاطعة أن تتوقف عن سياسة إملاء الشروط، والقبول بحوار وطني يفضي إلى حلول توافقية تتطلب، بدون شك، تقديم تنازلات لتحقيق المكاسب.
لا يمكن للنقاش الملكي أن يحقق غاياته إذا لم تتحل الأوراق والمقالات التالية بالجرأة اللازمة في تشخيص أداء مؤسسات الدولة في السنتين الماضيتين، والتأشير على الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الثلاث أو الأربع الأخيرة. سيكون ذلك هو المدخل لاستعادة الثقة بجدوى الحوار، وإلزام المعارضة وقوى الحراك باعترافات مماثلة، وأخطاء ارتكبتها وما تزال بدون أن تملك الشجاعة للإقرار بها.
الحملات الانتخابية التي انطلقت منذ أيام ضحلة وفقيرة بالسياسة والبرامج. ولعل أوراق الملك تكون فرصة أمام المرشحين والناخبين لرفع سوية العملية الانتخابية وشحنها بالأفكار لتحسن من مستواها.
(الغد )