تجاوزنا هذه المرحلة ..
وزارة التربية والتعليم كبيرة؛ وملفاتها كبيرة أيضا، لا سيما تلك المتعلقة بالامتحانات والاختبارات وتطوير التعليم ..الخ، وقد مضى أكثر من عقد من الزمان والحديث الرئيسي في هذه الوزارة متعلق بتطوير التعليم المدرسي وتحسين مخرجاته، وجرت بشأنه حوارات ماراثونية، منها ما تم برعاية الحكومات ومنها ما جرى شعبيا عفويا، بسبب ارتفاع حدة الصخب حول هذه القضية، لا سيما حكاية امتحان الثانوية العامة.
بعد سنوات مشهوادت؛ مرت على تلك الوزارة في عهدة الدكتور محمد الذنيبات، لمسنا تطورا كبيرا على أكثر من صعيد، وانطلقت الوزارة بكل ثبات على طريق التطوير في الإدارة ومقاومة الترهل والبيروقراطية، وتثبيت مفهوم العدالة على صعيد الادارة وشؤون الموظفين سواء المتعلقة بالموظفين الاداريين أو بالمعلمين، الذين يشكلون الفئة الأكبر والأهم على صعيد متعلق بالمستقبل والاعداد والانجاز والتطوير والتحسين..الخ المنظومة المناطة بالمعلم، وتمخضت تلك الحوارات والأحداث عن ولادة «نقابة المعلمين»، وهو كيان نقابي قانوني كبير جدا قياسا مع حجم وأهمية النقابات المهنية الموجودة على الساحة الاردنية، ثم توحد الجهد الوطني الأردني المتعلق بالتعليم المدرسي وتم التقدم فيه بضع خطوات، بعد أن تم طرح مبادرات مهمة، بعضها تم العمل فيه بتوجيهات ملكية من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني ومن قبل جلالة الملكة رانيا العبدالله، التي يشهد لها اهتمامها بهذا القطاع الأردني المهم.
تراوحت الحوارات بين اتفاق عام على قضايا مهمة وبين صراعات على قضايا وملفات أخرى، وتم القفز عن المطلوب أكثر من مرة، ثم العودة إليه، ولا يمكننا أن نثبت إلا شيئا واحدا نتحدث عنه بصراحة وبارتياح وهو أن الأردن فعل شيئا مهما على هذا الصعيد، فكانت آخر الانجازات هي ما أعتبره «الضالة» الأردنية التي كانت مفقودة، التي اهتدى الأردن اليها بعد طول عناء، وهي الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي أطلقها الأردن منتصف العام الماضي 2016 برعاية ملكية، وتم وضع خطط تنفيذية لتحقيقها على أرض الواقع، وهي اليوم خطة عمل الدولة الأردنية التي ستمتد إلى 12 عاما، ليصبح الحديث عن مشاكل التعليم ومخرجاته من الماضي البعيد.
ما لم أفهمه بوضوح متعلق بالخبر الذي نشرته الدستور أمس كما نشرته وسائل اعلام أخرى، والمتضمن تصريحا لوزير التربية والتعليم، بعد لقائه برئيس وأعضاء مجلس نقابة المعلمين، حيث يقول الخبر على لسان الوزير عمر الرزاز (إن الوزارة ستفتح حوارا حقيقيا مع المجتمع بفئاته المختلفة لتقييم واقع العملية التربوية وتطوير محاورها المختلفة في إطار من التشاركية والتشاور والحوار البناء والاستفادة من التغذية الراجعة في ذلك..) ! ..تصريح تناقلته وسائل الاعلام تحت عدة عناوين لكن أبرزها كان عنوانا يدعو لحوار وطني لتقييم وتطوير العملية التعليمية..الخ!.
ما أريد قوله متعلق بمشكلتنا المقيمة، حيث يأتي مسؤول فيدير شأنا عاما ويقطع فيه مسافات، وما يلبث؛ يتغير، فيأتي مسؤول آخر ليبدأ من جديد ويقترح ثم يمضي في التطبيق، وهكذا دواليك..حتى على صعيد الحكومات تحدث هذه المفارقات التي تشعرك بأننا ندير أعمالا تطوعية ليست ذات أهمية، وننسى؛ أو ترغمنا الظروف العامة على أن نتراجع لنغير في خططنا واستراتيجياتنا !.
هذه دولة مستقرة، بنت نفسها من لاشيء ماديّا تقريبا، وعانت ما عانت من مراوحات وتدخلات وصراعات أجندات وفساد واستغلال وابتزاز ..لكنها ما زالت صامدة، وقد نقبل على مضض شيئا من المراوحة والمماطلة في قضايا ما، لكننا نعيش مرحلة الخطر في التعليم بكل مستوياته وهذه حقيقة نعرفها جميعا، ولا يمكن قبول التراجع والمراوحة والعودة إلى المربع الأول، ويجب أن تستقر سياسات وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والتعليم.
اشتغلوا لتطبيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية،حيث لا نملك الكثير من الوقت للخروج النهائي من تحديات وأزمات التعليم وفقدان الموارد البشرية المؤهلة..إن الحوارات مطلوبة، لكن هناك قضايا تم الاتفاق عليها وانطلقنا في تنفيذها ولا مكان فيها لحوار من جديد.