أموالنا المنهوبة
طالما استخف بعض المسؤولين بمطالب الحراك والمعارضة استعادة الأموال المنهوبة في قضايا الفساد، وكان ردهم أن قيمتها بسيطة ولن تسد العجز في الموازنة، ناهيك عن صعوبة استعادتها أصلا.
ملفان من عدة ملفات في قضية فساد واحدة هي شركة الفوسفات، أثبتا بطلان هذه الإدعاءات، بعدما تبين أن قيمة الأموال المتهم باختلاسها رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات السابق وليد الكردي، تصل إلى 340 مليون دينار. هذا ليس كلاما في الهواء أو إدعاء من المعارضة، وإنما لائحة الاتهام التي صدرت من النيابة العامة بحق المتهم في ملفي فساد فقط لا غير. وبعد استكمال التحقيق ربما يتضاعف المبلغ المذكور ثلاث مرات على الأقل؛ أي أن المبالغ المسروقة ستناهز المليار دينار. ألم يكن بعض المسؤولين في الحكومات يسخرون ممن يذكر هذا الرقم قبل عدة أشهر؟!
سنبقى عند مبلغ 340 مليون دينار، فهو يساوي ثلث العجز المتوقع في موازنة العام الجديد، وأكثر من ثلث الدعم الذي كانت تقدمه الخزينة للمحروقات، وضعف ميزانية صندوق المعونة الوطنية التي تنفق على 91 ألف أسرة أردنية فقيرة.
ليس مستحيلا استعادة هذا المبلغ من البنوك الأجنبية. معظم الدول الغربية تبدي في هذه المرحلة تعاونا كبيرا مع أنظمة الحكم الجديدة في مصر وتونس وليبيا، لإعادة أموال الحكام الفاسدين المكدسة في البنوك الأجنبية إلى أصحابها الشرعيين. وقد تمكنت مصر في الآونة الأخيرة من حصر مليارات الدولارات التي هربها حسني مبارك وزبانيته إلى الخارج، لا بل واستعادة جزء منها حسب ما صرح محافظ البنك المركزي المصري قبل أسابيع.
بالإجراءات القانونية السريعة، والجدية في المتابعة، يستطيع الأردن أن يستعيد كل فلس سُرق من المال العام.
كل ما أوردناه سابقا يتعلق بقضية فساد واحدة. ماذا لو مضينا بالتحقيق في أربع أو خمس قضايا مشابهة للفوسفات تدور حولها شبهات فساد مؤكدة وقعت في السنوات القليلة الماضية؟
حتما ستكون المبالغ التي يمكن استعادتها من الفاسدين بالمليارات. نعم، بالمليارات؛ ففي قضية واحدة جرى لفلفتها مؤخرا ضاع على الخزينة مبلغ يزيد على الوارد في لائحة اتهام الكردي، ومثله في صفقات نفط وزيت ثقيل، وعمولات مشاريع وعطاءات على حساب الخزينة، ومشاريع خصخصة ملتوية، وبرامج اقتصادية وإسكانية وأراضي خزينة جرى نهبها، وقصور تم تشييدها من عرق الناس.
الإرادة التي حركت ملف شركة الفوسفات من جديد، قادرة على تحريك ملفات أخرى مفتوحة منذ مدة. والخطوة العملية التي يمكن أن تحدث فرقا في هذا الصدد، هي إطلاق يد هيئة مكافحة الفساد لتعمل بهمة كما تعمل حاليا، وتفريغ فريق قضائي مدني للتحقيق في الملفات المفتوحة والسير في إجراءات التقاضي، وصولا إلى استعادة أموالنا المسروقة، ومعاقبة كل من مد يده على أموال الأردنيين في القطاعين العام والخاص.
(الغد )