ثم يسألونك لماذا يهرب المستثمر ؟..!
سؤال منطقي: إذا كان التاجر إبن البلد يعاني هكذا، فما الذي يدفع المستثمر العربي أو الأجنبي ليحتمل كل هذا؟
حقائق ومعلومات ساقها نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، بحديث ربما أسمعه للمرة الأولى، وهو بالتأكيد سيغير من طريقتي في الكتابة عن السوق والبضائع والأسعار والتجار..
التقيته بعد أن فرغ من اجتماع لمجلس نقابتهم، وهو الإجتماع السادس الذي تعقده النقابة مع قطاعات تجارية، تحضيرا لشهر رمضان الكريم، الذي تقوم فيه نقابة تجار المواد الغذائية بتوفير مخزون استراتيجي من الغذاء، وتدرس فيه الأسعار ووضع السوق، وسيتلوه اجتماعات أخرى، لا بد ستتمخض عن بيان تصدره النقابة حول السلع الغذائية والأسعار، أملا في مرور الشهر الفضيل بلا أزمات في الأسعار والسلع.
يقول خليل: إنها المرة الأولى التي نمر فيها بهكذا ظروف، لقد تراجعت القوة الشرائية وأصبحنا نعاني من الركود، وانحسرت نسبة النشاط التجاري لتبلغ 50% تقريبا، إنها نسبة خطيرة ومرعبة، وأهم أسبابها تراجع مداخيل الناس، وتأثير الظروف السياسية في الجوار العربي على حركة مرور السلع من وإلى الأردن، بالإضافة إلى ظروف اقتصادية عالمية معروفة.
وقال إن التجار في وضع لا يحسدون عليه، والجميع يطلب منهم ولا أحد يراعي ظروفهم، بل إنهم يتعرضون لظلم واضح:
حوالي 8 جهات رقابية تتابع التاجر !، وكل جهة لها قوانينها وأنظمتها وتعليماتها، وقد يصدف أن تزور هذه الجهات جميعا التاجر نفسه في اليوم نفسه، وكل جهة تعتبر نفسها مسؤولة ويتعامل موظفوها «بعضهم» بطريقة فجة مع التاجر، تجعله مدانا وليس متهما !.. يا جماعة إحنا أبناء بلد ولن نذهب لنستثمر مالنا في بلاد أخرى، لكن هناك من لا يعجبهم هذا الوضع، فيتركون الأردن أو يغيرون نيتهم بعد أن كانوا قد عقدوها على تدشين استثمارات ما في البلد !.
لا يمر يوم الا وتسمع فيه خبرا عن مخالفات، وتهويلا لا يطاق، يجعل من التاجر مجرما، ويتنادى الجميع على معاقبته، وقد يكون الخبر طبيعيا ولا يلزمه حتى النشر، فحين تنتهي «مثلا» صلاحية مادة غذائية ما، يقوم التاجر بإتلافها بشكل طبيعي وبإجراء معروف يتطلب حضور جهات رسمية، فإذا بالخبر يخرج إلى الصحافة «إتلاف آلاف الكيلوات من الغذاء الفاسد»، لتتبعه تعليقات وصياغات أخرى، تخرج عن السياق، ويصبح فيها متهمون وأبطال، علما أن الموضوع لا يعدو عن كونه إجراء طبيعيا تقوم به جهات رسمية ولا يلزمه حديث، لكن بعضنا بل كثيرين منا يميلون إلى الإثارة والفضائحية، التي يدفع الوطن ثمنها بالدرجة الأولى، ولو استمر الحال بحديث تهويلي عن الغذاء في الأردن، فلن يحضر لدينا زائر أو سائح أو حتى مغترب من أبنائنا إلا وطعامه وماؤه معه، أو لا يحضر مطلقا.. ارحموا بلدكم قليلا.
حدثني خليل الحاج توفيق عن تشريع منتظر لهيئة رقابية واحدة، توحد الجهات الرقابية تحت مظلة رقابية واحدة، وهذا تغيير حضاري مطلوب، ستكون نتائجه طيبة على صعيد الثقافة الرسمية في الرقابة، ويتيح المجال للتاجر أن يفهم من هي الجهة المسؤولة فعلا عن مراقبة ومتابعة عمله، حيث يعدد بعض الجهات الرقابية: الغذاء والدواء، والمواصفات والمقاييس، والصحة، والزراعة، والأمانة والبلديات، والبيئة وجهات أخرى كثيرة تتدخل في عمل التاجر، الذي يبيع بضاعة خضعت لكل الرقابات قبل أن تدخل إلى البلاد، وسعرها معروف ومعلن، ولا يحتاج كل هذه السيناريوهات المتضاربة، التي يتعامل بعض الموظفين التابعين لها بفجاجة ودون التزام، وتطاول على التجار وكأنهم متهمون.
في حديث نقيب التجار أكثر من حقيقة نلمسها يوميا، ونشعر معها بأن «البلد خربانة»، بينما الواقع يقول بأن الإنفلات الاعلامي واشتغال غير المهنيين في هذه المهنة، يشوه الصورة العامة إلى درجة الإساءة للجميع، فلا مرجعية ولا منطق ولا جهات تدافع عن التاجر او عن البلد، حين يتسلى المتسلون بنا لنغرق بمزيد من الفجاجة، ونفقد كل الثقات بالسوق والتجار والسلع والمستقبل أيضا.
على الحكومة أن تلتفت إلى هذه القصة من الانفلات والتشويه للبلاد وإفقادها سمعتها الطيبة، وشهر رمضان هو الفرصة لتقديم أداء منضبط، يخفف العبء على الناس وعلى التجار، ويسهم في تنشيط السوق بطريقة منطقية، دون عبث في الرأي العام وابتزاز للتجار وتقييدهم، فهم معنيون بتقديم سلعة جيدة وبسعر مقبول وممكن، لأنهم مستأمنون وتهمهم سمعتهم في السوق، وهم أيضا يعيشون حالة من ركود ذكرنا بعض أسبابها، واحتفظنا بأسباب أخرى، نتمنى لو لا نتحدث عنها مطلقا.
هذه بعض معلومات، تقدم بها خليل الحاج نقيب تجار المواد الغذائية، وهناك مزيد اليوم في الواحدة ظهرا على أثير الاذاعة الأردنية، ضمن برنامج الاعلام والشأن العام.