الفرصة الأخيرة ..
لست أدري إن بقي في الكنانة سهام ترمى..
لكنني متفائل جدا بقدوم الزميل الأستاذ العتيق محمد داودية لقيادة «الدستور» في متاهة الأزمات والانكفاءات، التي نشهدها على صعيد العمل الصحفي وغيره، ولا أريد الولوج في غمار حديث كررناه هنا مرات عدة، لكنني سأعيد كتابة تلك الفكرة حول دعم وإنقاذ الصحافة الوطنية، التي تمثلها جريدة «الدستور» والزميلة «الرأي»..
بعشرات الملايين تمت طباعة مناهج مدرسية حكومية، وذلك رغم علم الاستراتيجيين وأصحاب القرار وصناعه بالأزمة التي تعصف بهاتين الصحيفتين العريقتين، ولو تم تلزيم هذه العطاءات الحكومية للصحيفتين لخرجتا من أزمتهما المالية منذ أعوام، لكن لا نعلم بل إننا نعلم لماذا يتم التغاضي عن هذه الحقيقة، ونتمنى أن يرشد أصحاب هذه القرارات إلى قرارات وطنية، تخدم الاعلام الأردني، وتنقذ صحافة الوطن، التي لا تختلف كثيرا عن المؤسسات الدفاعية الأخرى، بل إنها هي التي تضطلع بالمهمة التنويرية الوطنية الكبرى، وتقود وتوجه الرأي العام إلى النور، وتغلق الطريق أمام كل المغامرات التي تستهدف المستقبل الأردني.
الأستاذ الصحفي القديم محمد داودية لا يحتاج إلى شهادة مني، فأنا ربما ولجت هذا الميدان بعد أن أنهى داودية كل التحصيلات المهنية والموقعية فيه، وعلى الرغم من تفاؤلي بقدومه لرئاسة مجلس إدارة الدستور، إلا أنني لا أخفيكم توجسي من «حملة العصي» التي صنعت خصيصا لوقف الدواليب، وتأزيم الدنيا في وجه أبناء الوطن، حين يتقدمون لحمل أمانة المسؤولية المهنية والأخلاقية والوطنية، ولا أعتقد بأن الرجل ارتضى على نفسه هذا التحدي لمجرد العودة إلى ساحة الضوء، التي يمر بها طالبو الوزارات والنجومية، بل إن محمد داودية لن يقبل على نفسه أن يتبوأ هذا المكان ولا يترك نتائج فيه تليق بسيرته الذاتية الوطنية والمهنية .
المشهد العام يوحي بمزيد من تحديات على الطريق، ولا أتحدث عن الصحافة وحدها، فهي مجال صغير وقليل التكلفة إذا ما قورن بغيره، من مجالات إدارة الدولة، لكن أهمية دور الصحافة الوطنية، تجعلها ضمن أولويات صانع القرار الذي يسعى لحماية الوطن، ولو أردنا إجراء تقييم لأداء الحكومات تجاه حماية منابر الدولة الإعلامية، سنسجل تراجعا مؤسفا في السنوات الخمس الأخيرة، وهي التي شهدت ذروة أزمات الصحيفتين الوطنيتين المهنيتين «الدستور والرأي»، ولو توغلنا كثيرا في مثل هذا الحديث لأصبح لدينا متهمون ومقصرون رسميون، ما زالوا يتعاملون مع هذا الملف بطريقة غير مقبولة، طال ما تسببت في مزيد من تراجع وضياع لدور الصحافة وغياب الخطاب الوطني المهني.
التراجع والانكفاء والتخلي عن الصحافة الورقية لا سيما مدارسها الكبيرة المعروفة «كالدستور والرأي»، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ولصالح الصحافة الاستعراضية المختصرة الفاقدة للمهنية والتأثير، له كل العلاقة بضياع هيبة الدولة ومؤسساتها، واختفاء الخطاب الوطني التنويري الذي يرسخ المهنية والالتزام بالوطن وقضاياه، وقد عشنا حالات من الانسلاخ عن الدور الوطني للصحافة المهنية المعروفة، تعود أسبابها لوجهة نظر سياسية «هوائية» تخففت من أعباء الانتماء والوفاء لهذه المهنة وأهميتها، واعتبرت الدولة مجرد مؤسسة أو شركة تؤدي دورا خاليا من الدسم المعنوي الوطني، الذي يبني الفكرة الوطنية ويعزز مفهوم الثقة بالدولة في قلوب وعقول مواطنيها .. والأمثلة كثيرة على إنحسار دور الحكومات في دعم الاعلام الوطني ومؤسساته التي تعتبر روافع الخطاب الرسمي الأردني الوحيدة .
لا نريد أن نقول الكثير، لأن لدينا أستاذ مدجج بالفكرة والعزيمة والرأي السديد، ولا يكترث كثيرا لما قد يقولون أو يفعلون، فهو أمين وقوي وواضح في فكرته وأهدافه، ولن يتلعثم في الإفصاح عن حجم الخلل وأسباب الزلل والعلل التي تعاني منها الدستور وغيرها، ويجب أن نتحدث قريبا عن نتائج إيجابية، تحمي هذه المهنة وتعزز من دورها الوطني الذي يراد له أن يتلاشى، ويفقدنا التوازن والمنطق والالتزام ببلدنا وأهله الصابرين على عبث العابثين ومغامرات المغامرين ومزايدات المتاجرين، الذين قزموا العمل الصحفي المهني حسب أجنداتهم ومصالحهم الشخصية، أمام صمت مريب من قبل المهنة وأهلها..
محمد داودية لن يكون من بين الصامتين، فصمته سيكون «الضربة القاضية» للصحافة التي نتحدث عنها، ولن نتحدث بغير الوضوح هنا:
إياك أن تفشل يا محمد داودية، فأنت تمثل آخر أمل لإنقاذ هذه المهنة في بلاد أصبح الاتجار في قضاياها مهنة في عرف الطارئين على الصحافة والاعلام وعلى الوطن.