شباب الحراك.. مكاسب الربيع في عز الشتاء
شمر العشرات من شباب الحراك في عمان عن سواعدهم، ونزلوا إلى الشوارع؛ لا للتظاهر والاحتجاج هذه المرة، وإنما لمساعدة المواطنين وموظفي أمانة عمان في معالجة المشاكل الناجمة عن الأحوال الجوية السائدة.
موقع "جو 24" الإخباري رصد في تقرير مدعوم بالصور، شبابا من حراك حي الطفايلة وسحاب والحزب الشيوعي وتيارات أخرى، يعملون بهمة لتصريف المياه من شوارع في منطقة المحطة، ومساعدة مواطنين تعطلت سياراتهم جراء مياه الأمطار التي غمرت شوارع العاصمة في اليومين الماضيين. ولتأكيد التزامهم بتقديم المساعدة على نحو ممنهج، شكل الحراكيون لجان إغاثة في عدد من الأحياء، وعينوا منسقا لكل لجنة. الناشط اليساري مهدي السعافين الذي اعتقل في الاحتجاجات الأخيرة على إلغاء الدعم عن المحروقات، تولى المساعدة في حي "دوار المخابرات" الواقع بين دواري الداخلية والرابع!
هي لفتة طيبة من شباب الحراك، تعكس روحا بالمسؤولية تجاه بلدهم وأهله، وتقدم صورة مغايرة للصورة المشوهة التي يحاول البعض رسمها للحراك والحراكيين باعتبارهم مخربين، يريديون أن ينالوا من أمن البلاد واستقرارها، ويتحينون الفرص لإشاعة الفوضى!
ربما يكون هناك أشخاص فوضويون في الحراك، لكن الأغلبية الساحقة أكثر حرصا من بعض المسؤولين الذين أشبعونا كلاما في الوطنية والانتماء، ثم تكشّف بعد حين أنهم مجرد لصوص نهبوا أموال الشعب تحت ستار من الخطب الرنانة عن النزاهة والولاء.
كان بوسع شباب الحراك، وهم في معظمهم من سكان الأحياء الفقيرة التي تضررت من العاصفة الثلجية ونقص الخدمات، أن ينظموا اعتصاما أمام مبنى "الأمانة" احتجاجا على المستوى المتدني للخدمات، لكنهم آثروا في هذا الظرف الطارئ التحرك لمساعدة المواطنين، عوضا عن الصراخ في وجوه المسؤولين.
مساهمة الأردنيين في الأنشطة التطوعية محدودة للغاية مقارنة بالمجتمعات المتقدمة. وفي ظروف جوية مثل التي نشهدها وأشد منها، يتكفل السكان في الدول المتقدمة بالقيام بنصف المهام التي تؤديها فرق الإنقاذ والدفاع المدني والبلديات في بلادنا. وعندما ضرب إعصار "ساندي"، قبل شهرين، الولايات المتحدة الأميركية، سطر مواطنون هناك تضحيات لا تنسى في سبيل مساعدة المنكوبين. ولم يكن أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما إلا أن ينحني شكرا لهم، قبل أن يشكر الطواقم الرسمية.
هناك أسباب يطول شرحها وراء افتقادنا لروح التضامن في الظروف الصعبة والأزمات. لكن الأشخاص والقوى الذين يأخذون على عاتقهم مهمة التغيير في المجتمعات، يتعين عليهم أن يعوا أن دورهم في الإصلاح لا يقف عند حدود الشعار السياسي وانتقاد السلطات ومعارضة الحكومات، وإنما يمتد إلى تقديم النموذج البديل في الممارسة، ونشر قيم جديدة بين الناس لكسب ثقتهم بالأفعال وليس بالأقوال فقط.
المعارضة الأردنية عموما غير مبادرة في هذا الميدان. وهذا واحد من الأسباب التي تجعلها معزولة عن الشارع، حتى عندما تتظاهر دفاعا عن حقوق الشعب. وفي الحالات القليلة التي تبادر فيها إلى التواصل مع الجماهير، يكون ذلك في العادة لاعتبارات ومصالح حزبية ضيقة.
شباب الحراك الشعبي يجهدون في تغيير الصورة، ويقدمون نموذجا جديدا لمعارضة قريبة من الناس تعيش وسطهم، وتغرق في المياه مثلهم. نحن اليوم في فصل الشتاء، لكننا ننعم بمكاسب الربيع؛ شباب مثل الوردات، كما يقول الأردنيون في وصف الشباب الناجحين والشجعان.
fahed.khitan@alghad.jo