خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف!!
يمكنني أن أثبت أن جلالة الملك عبدالله الثاني يتحدث عن «معدل» الحراك والتغيير في تطوير بيئة الأعمال، حين شدد الأربعاء الماضي، خلال الاجتماع الذي عقد في قصر الحسينية، وحضره رئيس الوزراء وممثلون عن القطاعات الاستثمارية المساهمة في التشغيل والنمو الاقتصادي، على أنه لا يمكن الاستمرار في المضي قدما خطوتين للأمام وخطوة للخلف لتحسين بيئة الأعمال. وأقول بأن جلالته يتحدث عن المعدل لأن التقدم في بعض المجالات قد يتجاوز الخطوتين إلى 3 او 4 او 5، بينما يتراجع في أخرى إلى 3 او 4 او 5، لكن المعدل الحسابي للتغيير والتحسين والتطوير هو كما قال جلالته بمعدل 2 إلى الأمام وواحد إلى الخلف، حيث بعض المسؤولين وزراء وغيرهم، منسجمون تماما في أدائهم مع توجهات الدولة وتوجيهات جلالة الملك والحكومة، فيقدمون أداء عمليا رشيقا يسهم إلى حدود بعيدة في تطوير بيئة الاستثمار، وسوف أذكر بعض المواقف التي تثبت ذلك:
حضرت في الأسبوع الماضي لقاءً في الهواء الطلق، وليس أجمل من هواء عجلون، تلك المنطقة التي تشهد على عبقرية وصفي التل رحمه الله، الذي دعا إلى تشجير أراضي الدولة فيها، فغدت اليوم محافظة من جنة أرضية، لا تكاد تغلق عينيك عن تدفق جمالها الطبيعي، وقد كان اللقاء يجمع بين وزير الزراعة ومدير وكالة الإنماء التركية الدكتور محمد صديق، حيث تعهدت الوكالة بدعم تدشين معارض في أكثر من محافظة، لتكون معارض تسويق للمنتجات الزراعية المنزلية، ترجمة لسعي وزارة الزرعة الجديد بهيكلة الوزارة من خلال استحداث مديرية التنمية الريفية، التي تهدف إلى اشراك الناس في الانتاج والتسويق والعمل على ايجاد دخول وفرص عمل اعتمادا على أنفسهم، وقال بعضهم بأنهم حصلوا على دخول مالية وصلت إلى 5000 دينارا في 3 أيام، نتيجة قيامهم بتسويق وبيع منتجات منزلية في مثل هذه المعارض.. فهذا جهد يمكن قياسه بأكثر من خطوتين إلى الأمام في مجال تطوير بيئة الأعمال وتحسين الانتاجية وزيادتها وتشغيل العمالة الأردنية، والتخفيف عن الناس من خلال مؤسسات رسمية وبدعم ومشاركة جهات دولية، دون تكلفة تذكر على كاهل الدولة.
وفي السياق ذاته؛ أعني سياق الأداء المتقدم الذي تقدمه وزارة الزراعة، التقيت بأحد المستثمرين الصابرين، الذي دشن مشروعا بكلفة تجاوزت 4 ملايين دينار حتى الآن، وهو مشروع غير ربحي، بل ثقافي ابداعي شامل، فيه أكثر من فكرة جميلة، وأكثر من نتيجة وطنية ممتازة، فالمشروع التابع لجمعية ثقافية، الواقع في منطقة جميلة جدا من مناطق لواء عين الباشا، انطلقت اعمال تدشينه منذ 8 سنوات ولم يعمل بعد «!!!!»، وتم بناء متحف هو عبارة عن معرض للفن التشكيلي يقع في عمارة من 5 طبقات، يضم أجنحة عن الفن التشكيلي في البلدان العربية وفيه لوحات عالمية، تقدر قيمته بـ 10 ملايين دينار، ويضم فندقا صغيرا، ومطعما، وملعبا «للميني جولف»، ومرافق للأطفال، فيها حديقة حيوانات مصغرة..الخ، وتبلغ الأرقام التقديرية للعمالة التي ستديره حين ينطلق بأرقام قد تصل إلى 200 شخص، ناهيكم عن أثر هذا المشروع على الحركة التجارية والسياحية المحلية والعالمية، فسحر المكان وفرادة المشروع كفيلان بأن يقدما للأردن فرصة عالمية في ريادة الثقافة الابداع، وسوف تكون المنطقة جاذبة لكثيرين من المهتمين حول العالم.
لكن ما الذي حدث؟! هم باختصار «هلكوني»؛ يقول المهندس الأردني سامي هندية مالك ومدير المشروع، قمت بكل هذا وكانت التعقيدات غير عادية، ولم يمنحوني أذون إشغال ولا تراخيص، وما زالت خدمات الماء والكهرباء معدومة، حيث لم يمنحوني كهرباء «3 فاز» وأقوم بشراء المياه، وأدفع شهريا حوالي 100 دينار ونفدت نقودي، وسبب المشكلة أن وزارة البلديات وسائر الجهات الخدمية المعنية لا تمنحنا التراخيص بحجة عدم وجود شارع مناسب، فالشارع الموجود عرضه 6 أمتار ومثل هذه المشاريع تحتاج إلى شارع بعرض 12 مترا، ومنذ أعوام ونحن نحاول مع الجهات المعنية بلا جدوى، لكن قامت وزارة الزراعة باقتراح طريق بعرض 12 مترا يمر في المنطقة الحرجية المجاورة للمشروع، وذلك بعد أن تفهم وزير الزراعة الحالي موضوعنا ومشكلتنا، ونرجو أن يتفهم سائر المسؤولين ويمنحونا التراخيص المطلوبة، وأنا هنا لا أريد التركيز الا على موقف وزارة الزراعة، ولا أريد التحدث عن المواقف الأخرى فهي تبلغ ربما 6 خطوات للخلف، خصوصا لو تحدثنا بكل الرواية فـ..»خلونا ساكتين أحسن».
بعض المعنيين الذين حضروا اجتماع الأربعاء بضيافة جلالة الملك في قصر الحسينية قالوا شيئا عن تطوير المواصفات الأردنية دعما للاستثمار، ولا أعلم بالضبط ماذا يعنون بهذا، لكنني أفهم أن الدول المانحة التي تعرف القانون أكثر مما نعرفه، ولا نبلغ شيئا من التقدم التكنولوجي ولا السلوك الديمقراطي مقارنة بها، تتأفف من تعاملنا الرسمي مع فعالياتهم الاقتصادية وبضائعهم، ونتشدد في بعض مواصفاتنا ومقاييسنا إلى الدرجة التي أصبحت «لافتة» ومضجرة وفيها أكثر من 10 خطوات للخلف، وتستدعي تدخل القناصل الاقتصاديين في البعثات الديبلوماسية الأجنبية، نتيجة شكاوى مقدمة من فعاليات تجارية تتعامل مع السوق الأردنية، وقد سبق لي أن كتبت مقالة ذكرت فيها شيئا عن هذا، سنكتب عنه لاحقا بسبب ضيق المساحة لا «الصدور».