jo24_banner
jo24_banner

الحكومة تسيطر على ملعبها ..

ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 :

انتقاد بعضهم لأداء الحكومة، متآخذين على رئيسها بأنه قليل النزول إلى الميدان، هو انتقاد وتآخذ تعوزهما الدقة والموضوعية، فالرأي يكاد يكون كلاسيكيا، ولا يعبر عن ادراك كامل لما أصبح عليه أداء الحكومات الممكن، ومقدار هامش مناوراتها وحدود مسؤولياتها وتعهداتها الممكنة، وقد يكون الانتقاد في مكانه لو كان رئيس الحكومة بغير هذه المواصفات، ويجيد المناورة وابرام العهود والعقود بلا تنفيذ، لكن الدكتور هاني الملقي رئيس واع ومدرك تماما لحدود ما يمكنه التعهد به وتنفيذه، أما التسويف والتأجيل والمماطلة والتعهد بلا تنفيذ، فهي ليست من أخلاقه ولا صفاته ولا تنسجم مع موضوعيته.

كلنا يعلم تماما كيف تم ترقيع الموازنة العامة، وماهي الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لتتوازن الموازنة، وليس من المنطق أن يقوم رئيس الوزراء بالتعهد بشيء خارج حدود تلك الموازنة، لأنه سيبدو معها بأنه يبيع الناس وعودا ويبني لهم قصورا في الهواء، وإن استثنينا موضوع اللقاءات الميدانية مع الناس والوقوف على مطالبهم المكلفة للحكومة، فإن الدكتور الملقي ووزراءه متواجدون في الميدان، يقومون بأعمالهم، ولا يمكنهم أن يقوموا لا بمشاريع ولا بأعمال تستوجب انفاقا جديدا، فكلهم ملتزمون بالموازنة وقانونها وبالكاد يسير القطار على هذه السكة، لذلك تبدو المطالبات المكلفة كالنزول إلى الميدان وتلبية بعض المطالبات خارج سياق القانون الصارم الذي فرضته موازنة عام 2017.

كلما التقى جلالة الملك بالناس في مختلف المناطق، يسمع شكواهم ومطالبهم، ويدون بنفسه ملاحظاتهم، ويوجه الحكومات إلى دراستها والاهتمام بها، وهو الأمر الذي كانت تفهمه الحكومات بأنه توجيه ملكي، فتقوم وتحت وطأة الحاح ومطالبات ومتابعات الناس واهتمام صاحب الجلالة بالالتزام بتنفيذ بعض المشاريع، والتي قد تكون غير ذات أولوية، حيث قد يكون بناء مستشفى مثلا، عملا مطلوبا ومهما، لكن ربما لا يكون هذا وقته نظرا لوجود مستشفيات أخرى في المنطقة وتقدم الخدمة..وعلى هذا النحو يمكننا فهم كلفة اللقاء بأصحاب المطالب التي لا تتخذ صفة الأولوية، لا سيما في هذا الظرف الاقتصادي المحسوبة موازنته بدقة.

أما لماذا لا تقوم الحكومة بالتوسع في أعمالها تجاه القاعدة؟، فالموضوع يتطلب انفاقا، وهذا أمر غير ممكن بالنظر إلى الوضع المالي كما أسلفنا، وبالنظر إلى التعهدات التي التزم بها الأردن حول التخفيف من الانفاق، وترشيق أداء كثير من المؤسسات، وهي شروط الجهات المانحة والمقرضة، وتوصيات لا يمكن للأردن أن يغض البصر عنها، فهي ضمانته الأولى لكسب ثقة هذه الجهات المالية الدولية، وهذه هي الصورة الحالكة التي يتحاشى بعضنا الحديث عنها، ويستثني أثرها حين يراقب أداء الحكومات، وخلاصة القول إن الحكومة بالكاد تتوازن على سكة الاقتصاد؛ لأن الوضع الاقتصادي أسوأ مما يستنتج بعضهم، وهذه حقيقة ورثتها حكومة الملقي عن سابقاتها من الحكومات، فهي مزمنة ومستعصية على الحلول السحرية التي يفكر فيها بعضهم.

في الملف الاقتصادي خيارات الحكومة محدودة جدا، فلا جديد يمكنها تقديمه سوى الالتزام الذي تحدث عنه جلالة الملك قبل فترة وجيزة حين قال «نتقدم خطوتين للأمام ونتراجع خطوة»، تصريح مهم وينطوي على توجيهات ملكية صارمة للالتزام والثبات على صعيد الملف الاقتصادي برمته وليس تشجيع الاستثمار فحسب، وهذا ما يمكننا رؤيته لو دققنا النظر في أداء الفريق الاقتصادي، والتغييرات التي جرت عليه قبيل آخر تعديل وزاري حتى الآن.

الإدارة العامة على اتساع مساحتها هي التي بقيت في يد الحكومة، ورئيسها معني بترشيقها، وقد فعل الكثير، وما زال محافظا على توازنه في هذا الملف، ويبدي كل الحزم فيه؛ لأن الأخطاء فيه ستكون قاتلة، ولا يمكنه أن يعرض نفسه لمثل هذا الاختبار القاسي، علما أن بعض الوزراء يضعون الحكومة ورئيسها في حرج بسبب تدخلهم في شؤون إدارية لمؤسسات هي ليست ضمن مسؤولياتهم غالبا، لكنهم يتدخلون ويبدلون ويعدلون، الأمر الذي يضع الحكومة في حرج كبير، وهذا ما يجب أن تلتفت اليه عناية الدكتور الملقي، فالتزامه وحرصه قد لا يقابلهما مثلهما لدى بعض الوزراء، ولا أريد التحدث بأمثلة هنا، بل أتحدث حفاظا على موضوعيتي..والأمر جدير بالنظر.

الحقيقة التي لا بد لنا أن نفهمها متعلقة بالانتخابات القادمة، فهي قد تنقل الناس إلى طريقة تفكير أخرى، وذلك حين نتحدث عن تواجد الحكومة في الميدان؛ لأن الفهم السياسي والنظري لقانون اللامركزية يقول بأن الشأن العام سيكون خاصا بالنسبة للمحافظات والمناطق التابعة لها، فالمجالس المحلية هي الحكومة في تلك المناطق، وستكون المسؤولة عن الميدان وعن كل المشاريع المتعلقة به، وهو الشكل الأهم من الاصلاح والتطوير الاداري، فبعد تشكيل تلك المجالس سيكون الحديث عن «نزول الحكومات إلى الميدان» فائضا عن الحاجة، فنزولها أصبح ديمقراطيا مؤسسيا محميا بقوانين وله ممثلون مناطقيون، ولا يمكن التجاوز عنه في منطقة لصالح أخرى، وهذه قصة أخرى من ترشيق الادارة والعدالة، مضافا إليها نزاهة الحكومة وعدم تدخلها في هذه الانتخابات، وبعد انطلاق قطار اللامركزية سيختلف منطق تقييم الأداء الحكومي ..وهذه واحدة من المطالبات الديمقراطية التي تتحقق في عهد هذه الحكومة، فلا تستعجلوا الانتقاد، وحاولوا أن تتحدثوا عن الصورة كلها لا عن جزئيات منها..وهذا ما تتطلبه الموضوعية والتوازن حين ننتقد أو نشير إلى إيجابيات السلطات او مؤسساتها.


تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير