jo24_banner
jo24_banner

السجين الرهينة

د.حياة الحويك عطية
جو 24 :

هي لم ترد القطيعة مع تاريخها الاستعماري ولكنها أرادت القطيعة مع تاريخها كدولة قانون. فرنسا فرانسوا هولاند، لم تختلف كثيرا عن فرنسا نيكولا ساركوزي، فذاك أرسل طائراته إلى منابع النفط الليبية، وهذا يرسل طائراته إلى مناجم اليورانيوم المالية النيجرية. ذاك مدد فترة اعتقال جورج ابراهيم عبد الله بأمر من وزيرة العدل رشيدة داتي، وهذا مدد فترة اعتقاله بامتناع من وزير الداخلية ايمانويل فايس. مخالفة قانونية في الأولى، وتعد على القضاء في الثانية. القضاء أصدر حكمه بالإفراج عن المناضل اللبناني الكبير الذي تحول إلى رمز عالمي، ولكنه اشترط إبعاده خارج الأراضي الفرنسية، فكانت الثغرة: لا يوقع وزير الداخلية قرار الإبعاد، اذا يبقى الرجل في السجن. لماذا ؟ لأن فيكتوريا نولاند قالت إن بلادها لا تـــــرى أنـــــه يصـــــــح الإفراج عنه. وجاك فيــــــــرجيس يصف الوزير بأنه صديق إسرائيل وجندي صغير لدى الولايات المتحدة.
لكن المشكلة ليست هنا، بل هي في اليتم الرسمي الذي يعيشه المناضلون العرب. اليتم الرسمي العربي الذي لا يترك سندا لهذا الأستاذ الثانوي الذي انطلق يوما على دراجة نارية من قريته القبيات إلى مخيم نهر البارد ليتطوع ويتدرب دفاعا عن القضية الفلسطينية، وعندما وصل الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت شكل جورج فصائله لمقاتلة الجيش المعتدي في إطار المعركة نفسها. على خطى وديع حداد وكمال خير بك وفؤاد الشمالي نشر معركته على كل الساحات وفي كل الأطر، إلى أن أوقعت به المخابرات الفرنسية عن طريق لبنانيين عملاء في فرنسا. لم يكن لجورج وأمثاله الكثير من الآباء على الصعيد الرسمي العربي عندما وقع أسيرا، ولكن لم يعد لهؤلاء لا الكثير ولا القليل من الآباء وقد كشف هذا النظام الرسمي، من دون خجل عن تواطئه أو تخاذله فيما يجعل من جورج وأمثاله أيتام بلاد ينتمون إليها ورهائن بلاد يحاربونها وتحاربهم. فكم تغيرت البلاد التي تركها جورج منذ ثمانية وعشرين عاما !! كم أصبح المناضلون الثوريون العلمانيون " مش على الموضة "، وكم أصبحت الكيانية الانعزالية مكرسة ومستقرة بحيث لم تعد قضية كقضيته تخص إلا الحكومة اللبنانية، التي تمارس بدورها تحركا خجولا وعاجزا عن مواجهة الضغط الوقح من إسرائيل والولايات المتحدة. لم يعد هناك زعيم عربي كبير واحد يمكن أن يدعم قضية تحرير هذا الأسير الذي تحول إلى رهينة حــــــــتى عندما تصبح حريته مسألة قانونية بحكم قضائي. فمن الذي سيدعم لبنان في قضية مقاوم مقاتل؟ ومن الذي سيدعم مقاتلا يساريا علمانيا معلنا؟
سؤالان يلقيان الضوء على جوهر العناد الأمريكي – الإسرائيلي في قضية عبد الله، فالمسألة أبعد من شخص، وأبعد من حكم قضائي. إنها مسألة هيدرا المقاومة وهيدرا العلمانية العابرة للطوائف والمذاهب، وهيدرا النضال القومي المشترك العابر للكيانات القطرية التجزيئية السياسية. إذا مسألة كل ما قاتلت السياسة وآلة الحرب الأمريكية – الغربية – الصهيونية، طوال العقود الثلاثة، لطمسه وما جهدت في إرسائه بديلا: الاستسلام مقابل روح المقاومة، الطائفية والمذهبية مقابل العلمانية، الانعزالية والانكفاء القطري مقابل الحس والالتزام القوميين، الليبرالية مقابل اليسار. من هنا فإن عودة مناضل كجورج عبد الله وما يمكن أن يثار حولها من حفاوة جماهيرية هي إحياء غير مرغوب فيه ليس من قبل الغرب فحسب بل ومن قبل العرب أنفسهم. غير أن المأزق فرض نفسه، فالناس ما زالوا هنا، والرجل الذي لم يعد بجسده عاد منذ إعلان إطلاق سراحه إلى شوارع بيروت وفرض نفسه على الإعلام ، فرضا تصاعد أكثر مع القرار الفرنسي باحتجازه رهينة رغم قرار القضاء. فكان فضيحة دولة القانون التي تنام وتصحو على تلقين الدروس للعالم ولسورية بشكل خاص، فيما ترسل طائراتها لقصف ليبيا ومالي، لا لشيء إلا لأن في هاتين البقعتين ثروات طبيعية يمكن أن تحل بهما مشكلتها الاقتصادية على حساب شعوب الأرض. وإذ تطلق على حملتها اسم الحرب الليبية الثانية، فإنما تجد بذلك تأييدا شعبيا كاملا باستثناء الشيوعيين الفرنسيين وبعض أطراف ما يسمى بأقصى اليسار. تأييد سيكون هو نفسه بخصوص جورج عبد الله الذي قالت السلطات سابقا إنها تخشى إطلاق سراحه لأنه قد يعاود نشاطه في بلاده !! .
(العرب اليوم )

تابعو الأردن 24 على google news