الجهاد على تخوم الصين ..!
بعض الكلام محظور في بلاد العرب والعجم، ولا يمكنني مثلا أن أكتب شيئا حول القضية الفلسطينية؛ لأنني سأحظى بغضب من القارىء ومن الفصائل الفلسطينية كلها، وربما يغضب من كلامي بعض المسؤولين العرب، لذلك لا نقول الا «محظورة»..لكن تبدو الفرصة سانحة لكلام حول ما يعرف باضطهاد الروهينجا، وحول الرواية التي يتم تداولها بشأن المجازر الجماعية ويتم تسويقها على أسس عقائدية، تستهدف مسلمي الروهينجا وينفذها بحقهم أغلبية بوذية، ويعتبرها اعلام الغرب حرب تطهير عرقي..وهذا نمط نعرفه تماما في صناعة الحروب.
في كل الحروب التي تحدث في منطقتنا، يجب أن تكون هناك خلفية عقائدية، يتصدر فيها المسلمون الرواية، وكل السياق يدور حول الجهاد قديما، وأعني أيام تحرير افغانستان من الحكم الروسي، وكيف كانت كل دول المعسكر الغربي وحلفاؤها يتعاملون مع المقاتلين المسلمين الذين يذهبون من بلاد العرب وكل الدنيا الى افغانستان، حيث كانوا يمدونهم بالسلاح ويدعمونهم في حرب اعتبروها حرب تحرير لافغانستان، وأطلقوا اسم المجاهدين على كل من يقف في وجه الروس في أفغانستان، ولا ننسى هنا أن نذكر ما جرى في الشيشان بعد افغانستان، وكيف استخدمت روسيا قبضتها الحديدية لتنهي القصة، فهي تفهم المخطط تماما، ولم تقبل أن يتكرر سيناريو افغانستان..
وإلى حد ما قامت الجهات نفسها بدعم المقاتلين الذين التحقوا بالبوسنة في اوروبا الشرقية، فمادت الأرض بالمجازر والقتل الجماعي والتهجير القسري من قبل الكرواتيين بحق المسلمين البوسنيين..وكانت النتائج «مقبولة» بالنسبة لكل من دعم تلك الحرب وزودها بالوقود العقائدي، وحصل الأمر ذاته في العراق حتى انهار تماما، وتمت زراعته بالبذور المتطرفة التي سرعان ما نمت وأصبحت بيادر من حروب طائفية قتلت العراق قبل شعبه، وليبيا أيضا غرقت في بحر الدم والحروب ال»جهادية» التحررية، ويتم التعامل معها الآن باعتبارها دولة فاشلة لا أمل في إعادتها الى الحياة خلال نصف القرن القادم، وها هي آخر فصول «صناعة الدمار والخراب عن طريق ما يسمونه بالجهاد» تنهي فصولها الأخيرة في سوريا، وعلى وقع هذه النهايات في سوريا اشتدت الحرارة في الشرق الأقصى، ويبدو أن البقعة تتسع وتتهيأ للبذور ذاتها..
نهتم لأمر المسلمين لأننا منهم؛ لكن اهتمامنا مختلف عما يدور برعاية العصابات ومكاتب الاستخبارات العالمية المختلفة، وليس المطلوب أن نلتزم بخطاب الذبائح المتوجهة طوعا الى المسالخ، وإن كانت القضية في ميانمار تتعلق بالمسلمين وذبحهم على الهوية والديانة، فهذه قضية دولية ولا تعني المواطن الأردني او العربي، ولا يمكن قبول أن يتطوع مواطنون ليقاتلوا «يجاهدوا» انتصارا للروهينجا وغيرهم، فهذا عمل مطلوب من الدول والمواطن أيا كان فهو ليس دولة، ولا يقع على عاتقه تحرير الدول والشعوب، وإن كان لديه طاقات فليطالب بحقوقه وبحرياته بطرق ديمقراطية في بلده بدل ان يصبح وقودا لحروب بالوكالة لا ناقة له فيها ولا جمل..هذه قناعة المتوازنين، لكن الذي يجري عادة مختلف تماما.
فالقراءة التي تشكك بما يسوقونه بأن الحرب ضد الرهينجا عرقية، انما تهدف الى تسويق القضية بأنها مجرد ذبح للمسلمين، من أجل فتح جبهة جديدة للجهاد او القتال او الارهاب كما هي أسماؤه في العقدين الأخيرين، لتكون خنجرا في الخاصرة الصينية، وبؤرة للصراعات ومكانا قريبا لزعزعة استقرار القارة الصينية والهندية معا..اعتبرها قراءة موضوعية، سبق وأن استخدمها الغرب والشرق لتدمير بلدان في الوطن العربي وفي غيره، ولا بد أن الصين تدرك هذا وتستعد له..
يجب على العرب شبابهم تحديدا أن لا يقعوا في الفخ مرة أخرى، ويقوموا بحروب بالوكالة خدمة للغرب المتوحش، ولا يبارحوا مكانهم ودورهم بأنهم مجرد وقود حروب لا تعنيهم ..