الانتخابات.. انطباعات أولية
لم يخلُ يوم الاقتراع من تجاوزات، لكنها محدودة للغاية وفي حدود التوقعات. وهي في كل الأحوال لا تساوي شيئا مقارنة مع ما وقع من تجاوزات في الانتخابات المصرية مثلا.
حتى ساعة كتابة هذا المقال مساء أمس، كانت التقارير تشير إلى أن معظم المخالفات المسجلة ارتكبها مرشحون وأنصارهم خارج مراكز الاقتراع، وتطورت في بعض المناطق إلى حد المشاجرات واستخدام الأسلحة، لكن لم تسجل حالات وفاة.
في عدد محدود من مراكز الاقتراع، لاحظ المراقبون تحيز بعض أعضاء لجان الاقتراع لصالح مرشحين، وقد جرى استبدالهم على الفور. إلى جانب ذلك، ظهرت مشاكل فنية في بعض مراكز الاقتراع جرت معالجتها بشكل سريع.
اللافت أن الإجراءات الصارمة التي اتخذت بحق مرشحي المال السياسي لم تردع مناصريهم ومرشحين آخرين؛ فقد وثق مراقبون وصحفيون عمليات شراء قرب مراكز الاقتراع. وعلم فيما بعد أن الهيئة المستقلة للانتخاب أحالت عددا من المتورطين إلى القضاء.
لكن الأهم من ذلك كله أنه، وحتى الساعة الخامسة مساء، لم تسجل إشارة واحدة على تدخل رسمي في العملية الانتخابية، سواء من الأجهزة الأمنية أو الحكومية، على غرار ما حصل في انتخابات 2007 و2010. وتشير المعطيات المتوفرة هذه المرة إلى أن أجهزة الدولة التزمت بوعودها بعدم التدخل في الانتخابات، أو محاولة اختراق التحصينات التي وضعتها الهيئة المستقلة لضمان نزاهة الانتخابات، وعدم تزوير إرادة الناخبين.
ويعود ذلك في اعتقادي إلى سببين رئيسين: الأول، توفر الإرادة السياسية على أعلى مستوى في الدولة بعدم التدخل في الانتخابات، بعدما دفعت الدولة ثمنا باهظا من ثقة الناس فيها جراء سلوكيات طائشة في السابق. والثاني، هو الآلية المحكمة التي وضعتها الهيئة المستقلة للانتخاب، والتي تجعل أي محاولة للتدخل مكشوفة للعامة فور وقوعها.
صباح هذا اليوم، ستكون أسماء النواب الجدد معروفة للجميع، ولن تشذ كثيرا عن توقعات المراقبين؛ رموز من المجلس السابق سيعودون من جديد، ونواب من مجلس 2007 أيضا، وإلى جانبهم عدد غير قليل من النواب الجدد الذين يدخلون المجلس لأول مرة. وعلى مستوى التمثيل السياسي، بات مؤكدا أن قوائم الوسط الإسلامي و"وطن" و"التيار الوطني" سيكون لها تمثيل في البرلمان إلى جانب قائمة الأحزاب اليسارية والقومية، بينما تنافس قوائم تتزعمها شخصيات يسارية وحراكية على مقعد واحد لكل منها.
التحدي الأكبر هذا اليوم هو السيطرة على أعمال شغب واحتجاج متوقعة من طرف مرشحين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات؛ إذ تشير الدلائل إلى إمكانية وقوع أعمال عنف في أكثر من دائرة انتخابية، يرافقها تشكيك في نزاهة الانتخابات من جانب أنصار مرشحين خاسرين.
السؤال الذي يثير فضول الناخبين والمراقبين هو ما إذا كان النجاح سيحالف المرشحين الرابضين في سجن الجويدة، ومصيرهم في حال فوزهم.
الانتخابات النيابية فريدة من نوعها هذه المرة؛ ففي حال فوز هؤلاء، ستكون السابقة الأولى في العالم التي تلعب فيها مراكز الإصلاح دورا رئيسا في عملية الإصلاح السياسي، لا بل وتخرج نوابا إصلاحيين.
(الغد)