أوقفوا احتكار صناعة الخبز اولاً..
استمعت إلى مداخلة الدكتور محمد المومني صباح الخميس الماضي مع برنامج أخبار وحوار، الذي يبث مشتركا عبر أثير الاذاعة الأردنية وعبر فضاء التلفزيون الأردني، وحين نستمع لكلام الناطق الرسمي حول مواضيع تنال اهتمام المواطنين، وتشغل بال الحكومة في سعيها لتحسين إجراءات لها كل العلاقة بالشأن العام، فنحن بالتأكيد لا نتوقع أن نسمع أخبارا طريفة أو «نكات» أو أغاني، لكن بعضهم يسمعون الكلام على هذه الطريقة، ولا نلبث طويلا لنقرأ ادعاءات وافتراءات ونقل لكلام لم يقله الوزير ولا أحد آخر سواهم، ليتناقله «غائبو الفيلة» بحكم الخبر المؤكد، ويضيفون عليه ما يتوفر في مزاجهم «الغائم» من «نكات سمجة»، ونقول سمجة لأنها تتقصد إضحاك الناس ولو بالكذب والادعاء ؟!.
هذا كلام غير مسؤول، ومن المعيب أن يتم تحريفه بهدف إمتاع الناس بمآس مصطنعة في أذهان صبيان الكلمة والخبر ..عيب والله فأنتم تتحدثون عن دولة.
الوزير الدكتور المومني لم يقل ما قالوه حول الضمانات لاستمرار صرف الدعم عن الخبز لمستحقيه في السنوات القادمة، حيث كان المومني دقيقا وواضحا حين أجاب عن سؤال مقدم البرنامج الزميل صدام المجالي حول الضمانات الكفيلة باستمرار تدفق دعم الخبز للمواطنين في السنوات القادمة، فابتدأ الوزير بالكلام المنطقي الدقيق: كلها سيناريوهات مطروحة، وأكد بأن الحكومة لم تقرر بعد أي شيء بخصوص تغيير آلة الدعم، ولم تحددها، لكن في حال تم توجيه الدعم لمستحقيه بشكل مباشر، فمسؤولية استمراره لا تقع ضمن مسؤوليات الحكومات وحدها، فهناك جهات رقابية مسؤولة، مجلس نواب وإعلام، وهناك نخبة وأحزاب، واستمرار وصول الدعم لمستحقيه مسؤولية هؤلاء جميعا.. هذا مما قاله الوزير ردا على السؤال، والكلام منطقي وسياسي دقيق، وفي حال تقاعس أي من الجهات عن الدفاع عن المواطن وحقوقه فهي المسؤولة أمام الضمير وأمام الاعلام، ولم يتهرب الوزير من الإجابة أو يقل غير هذا الكلام.
المسألة الثانية التي يتندر عليها المتندرون مؤسفة، وتعبر عن ضحالة ولا مبالاة، وفيها ادعاء كاذب، فالوزير وفي معرض توضيحه لموجبات تغيير آلية الدعم على الطحين «الخبز»، قال عن ممارسات كثيرة لا يختلف عليها اثنان يعيشان في الأردن أو مرّا منه مرورا، فعلاوة على الهدر الكبير لمادة الخبز، ثمة استخدام من قبل بعض المخابز بل كثير منها، حيث يخلطون الطحين المدعوم بغيره ويقدمون منتجات جديدة، لكن بسعر الطحين غير المدعوم، وهذه واحدة من أهم موجبات تغيير آلية توصيل الدعم لمستحقيه، لأنها في الحقيقة دعم للمخابز وليس للمواطنين، وأضاف الوزير بنقطة جوهرية ومنطقية أيضا، ولم يتحدث عن تأكيد حدوثها، لكنها منطقية وقد تحدث .. فشراء الطحين المدعوم من الحكومة، بغرض تصنيع خبز بمواصفات وأسعار معينة للناس، مسألة لا رقابة تذكر عليها سوى ضمير المتاجرين به وبضع جولات صحية من قبل جهات معنية، وفي حال توفر كميات من الطحين المدعوم لدى تاجر ما، فما الضمانات بأنه لا يعبأ في عبوات أخرى وتتم إعادة تصديره الى تجار آخرين، ويكفي القول مثلا بأن سعر كيلو الخبز في الضفة الغربية يزيد عن 80 قرشا، فما الذي يمنع «منطقيا» من بيع الطحين المدعوم في السوق السوداء؟!
..لا أدعي لا أنا ولا الوزير يدعي بأن هناك حوادث مؤكدة، لكنه تحدث عن احتمال ممكن تجاريا، والسبب توجيه الدعم للتجار والسوق والسلعة وليس للمواطن المستحق، فهذه الحلقات الوسيطة من بينها من يستخدم هذه التسهيلات بطريقة غير قانونية ولا أخلاقية وفيها استغلال واضح للدولة وللمواطن.
في حال قيام الحكومة بتغيير آلية الدعم على الشكل الذي نتوقعه جميعا، فيجب عليها إعادة النظر في قضية تعليمات او قانون الترخيص لانشاء المخابز، حيث كانت وزارة الصناعة والتجارة وما زالت تحدد فتح مخبز جديد بشروط، وذلك بناء على حقيقة أن المخبز ليس بقالة، فهو يجب أن يغطي منطقة بعينها نظرا لأن السلعة المهمة التي ينتجها ويبيعها المخبز على الناس هي الطحين المدعوم عن طريق انتاج الخبز المدعوم بأنواعه الثلاثة، وفي حال تغيير آلية الدعم، وتوقف الحكومة عن استيراد طحين وتوزيعه على المخابز ضمن شروط معينة، يجب أن يتم فتح السوق أمام الناس كي ينشئوا مخابزهم، فلا مبرر أن تبقى هذه الصناعة «محتكرة» في يد فئة معينة من التجار، فهذا سيقود الى «التحكم» بأسعار الخبز نظرا لقلة عدد المخابز، لذلك يجب التخلي عن هذه الشروط فور اقرار تغيير آلية الدعم، أقول هذا بعد أن سألت بعض أصحاب المخابز عن السعر المتوقع للخبز في حال تغيير آلية الدعم، فوجدت بأن بعضهم بل كل الذين أجابوا على سؤالي، ينوون أن يفرضوا على المواطن أسعارا فلكية، فالخبز المدعوم الذي نشتريه الآن بمبلغ 25 قرشا للكيلو «الخبز الزغير»، سيرفعه اصحاب المخابز الذين سألتهم ليصبح بحدود 70 قرشا، وهذا قد يكون حقهم في القانون أن يحددوا السعر كما يريدون فالسوق مفتوحة، لكن يجب أن نتذكر أن «التنافسية» تنتفي في مثل هذه الحالة، حيث المخابز محدودة، وإن لم يعجب المواطن سعر الخبز في مخبز ما، فهو لا يمكنه الانتقال الى منطقة أخرى ليشتري من مخبز بعيد عن مكان سكنه، لأن ذلك المخبز يبيع الخبز بسعر أقل أو يقدمه بطريقة أفضل.
صليتوا على النبي؟..اللهم صل على سيدنا محمد.
الدستور