العلاقات الأردنية المصرية.. إنفراج لم يصمد طويلا
فهد الخيطان
جو 24 : لم يدم الانفراج في العلاقات الأردنية المصرية طويلا، بعد زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى عمان الشهر الماضي التي وصفت في حينه بالزيارة التاريخية.
في تلك الزيارة القصيرة اتفق الجانبان على معاودة توريد الغاز المصري إلى الأردن بمعدل 250 مليون قدم مكعب في اليوم، بعد أشهر طويلة من الضخ المتقطع وبكميات محدودة، الأمر الذي تسبب بعجز غير مسبوق في فاتورة الطاقة، كلف الخزينة نحو ملياري دولار. مقابل ذلك جرى الاتفاق على تسوية ملف تصويب أوضاع العمالة المصرية في الأردن، والتي تناهز نصف مليون عامل يقيم أكثر من نصفهم بشكل غير قانوني.
بيد أن الاتفاق لم يصمد طويلا، فبعد أن غادر قنديل عمان بأيام قليلة عادت وانخفضت كميات الغاز إلى ما دون نصف الكمية المتفق عليها، وبمعدل يومي لايزيد على 100 مليون قدم مربع، لايغطي أكثر من ثلث حاجة الأردن اليومية لتوليد الطاقة الكهربائية. وبدا للمراقبين أن رئيس الوزراء المصري تسرع في الموافقة على هذه التسوية، لوقف عمليات ترحيل العمال المصريين، رغم علمه بعدم قدرة بلاده على الوفاء بهذا التعهد.
الحكومة الأردنية التي وجدت في قضية العمالة المصرية ورقة مناسبة للضغط على نظيرتها المصرية، عادت لتصعد من جديد حملات التفتيش والترحيل بحق العمال المصريين. ورغم إصرار المسؤولين الحكوميين على عدم الربط بين قضية انقطاع الغاز المصري وحملات الترحيل، إلا أن المراقبين لا يشكون للحظة باستعداد الجانب الأردني لتوظيف كل مالديه من أوراق لدفع الجانب المصري على الالتزام بالاتفاق الذي وقع بين البلدين في عهد نظام مبارك، وهو الاتفاق الذي يقضي بتوريد 350 مليون قدم مكعب يوميا.
قدم الجانب المصري مبررات فنية لعدم قدرته على الالتزام بتوريد الكميات الواردة في الاتفاقية. وقد بدت هذه المبررات مقنعة للكثيرين، خاصة أن أزمة نقص الغاز تبدو ظاهرة على القطاع الصناعي المصري الذي تخلى 70 بالمئة منه، مكرها، عن الغاز في توليد الطاقة، وبات يعتمد على الوقود الثقيل مرتفع التكلفة، كما هو حال محطات توليد الكهرباء في الأردن.
لم يقبل الأردن التوضيحات المصرية، ويصر على تنفيذ الاتفاق المعدل بحذافيره. الموقف الأردني "المتصلب" يدفع بأوساط رسمية مصرية إلى الاعتقاد بأن للأزمة ظلالا سياسية تتعدى موضوع الغاز، تعود في جذورها إلى حالة الفتور التي استقبل فيها الأردن وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر.
يخشى الجانب المصري اليوم من نوايا أردنية لتصعيد الأزمة مع مصر، وثمة مخاوف من أن تقدم الحكومة الأردنية على طلب التحكيم الدولي في قضية الغاز المصري، على غرار مافعلت إسبانيا بعد أن توقفت مصر عن توريد الغاز إليها وفق اتفاق موقع بين البلدين.
المخاوف المصرية تذهب إلى حد ربما تفكر معه الحكومة الأردنية بترحيل جماعي لأكثر من 300 ألف عامل مصري. فما الذي تفعله الحكومة المصرية الغارقة في أزمات داخلية طاحنة، إذا ما وجدت هذه الأعداد مكدسة على حدودها؟
ويضع المصريون في الاعتبار أيضا الآثار المترتبة على إجراءات يمكن أن يتخذها الأردن لتقييد حركة النقل البري بين البلدين.
لكن، إذا افترضنا جدلا بإمكانية أي من السيناريوهات المذكورة، هل سيقف الجانب المصري مكتوف الأيدي؟
صحيح ان الأردن لايحصل على الكميات المتفق عليها من الغاز، لكن ماذا لو امتنعت مصر عن توريد الـ 100 مليون قدم مكعب يوميا، ألا يفاقم ذلك من خسائر شركة الكهرباء وعجز الموازنة.
في المدى المنظور لا يوجد بديل للغاز المصري رغم شح كمياته، على الأقل حتى نهاية العام 2014 موعد إنجاز مرفأ مجهز لاستيراد الغاز من قطر وتحويله للغايات المطلوبة.
حتى ذلك التاريخ لا يستطيع الأردن أن يغامر بإجراءات تصعيدية ضد مصر تكلفه المزيد من الخسائر المالية. وعليه في كل الأحوال أن يواصل العمل مع الجانب المصري، لتذليل العقبات التي تعترض تطبيق الاتفاق بقدر ماهو متاح فعليا من كميات الغاز، ونزع الطابع الانتقامي عن حملات تصويب أوضاع العمالة المصرية، لأنها تنطوي على بعد غير أخلاقي، سبق للأردنيين أن عانوا منه في بلدان عربية عاقبت العمال الأردنيين على مواقف بلدهم السياسية.
على الجانبين تبذل جهود دبلوماسية مكثفة لاحتواء الأزمة، وعزل الهواجس السياسية عن المصالح الاقتصادية الوثيقة بين البلدين. وتجنب النتائج السلبية المترتبة على حالة الاستقطاب العربي والإقليمي على وقع الأزمة السورية المتصاعدة، والمخاوف المتنامية في أكثر من ملكية وإمارة من مشروع مصري لتصدير الثورة الإسلامية.الغد
في تلك الزيارة القصيرة اتفق الجانبان على معاودة توريد الغاز المصري إلى الأردن بمعدل 250 مليون قدم مكعب في اليوم، بعد أشهر طويلة من الضخ المتقطع وبكميات محدودة، الأمر الذي تسبب بعجز غير مسبوق في فاتورة الطاقة، كلف الخزينة نحو ملياري دولار. مقابل ذلك جرى الاتفاق على تسوية ملف تصويب أوضاع العمالة المصرية في الأردن، والتي تناهز نصف مليون عامل يقيم أكثر من نصفهم بشكل غير قانوني.
بيد أن الاتفاق لم يصمد طويلا، فبعد أن غادر قنديل عمان بأيام قليلة عادت وانخفضت كميات الغاز إلى ما دون نصف الكمية المتفق عليها، وبمعدل يومي لايزيد على 100 مليون قدم مربع، لايغطي أكثر من ثلث حاجة الأردن اليومية لتوليد الطاقة الكهربائية. وبدا للمراقبين أن رئيس الوزراء المصري تسرع في الموافقة على هذه التسوية، لوقف عمليات ترحيل العمال المصريين، رغم علمه بعدم قدرة بلاده على الوفاء بهذا التعهد.
الحكومة الأردنية التي وجدت في قضية العمالة المصرية ورقة مناسبة للضغط على نظيرتها المصرية، عادت لتصعد من جديد حملات التفتيش والترحيل بحق العمال المصريين. ورغم إصرار المسؤولين الحكوميين على عدم الربط بين قضية انقطاع الغاز المصري وحملات الترحيل، إلا أن المراقبين لا يشكون للحظة باستعداد الجانب الأردني لتوظيف كل مالديه من أوراق لدفع الجانب المصري على الالتزام بالاتفاق الذي وقع بين البلدين في عهد نظام مبارك، وهو الاتفاق الذي يقضي بتوريد 350 مليون قدم مكعب يوميا.
قدم الجانب المصري مبررات فنية لعدم قدرته على الالتزام بتوريد الكميات الواردة في الاتفاقية. وقد بدت هذه المبررات مقنعة للكثيرين، خاصة أن أزمة نقص الغاز تبدو ظاهرة على القطاع الصناعي المصري الذي تخلى 70 بالمئة منه، مكرها، عن الغاز في توليد الطاقة، وبات يعتمد على الوقود الثقيل مرتفع التكلفة، كما هو حال محطات توليد الكهرباء في الأردن.
لم يقبل الأردن التوضيحات المصرية، ويصر على تنفيذ الاتفاق المعدل بحذافيره. الموقف الأردني "المتصلب" يدفع بأوساط رسمية مصرية إلى الاعتقاد بأن للأزمة ظلالا سياسية تتعدى موضوع الغاز، تعود في جذورها إلى حالة الفتور التي استقبل فيها الأردن وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر.
يخشى الجانب المصري اليوم من نوايا أردنية لتصعيد الأزمة مع مصر، وثمة مخاوف من أن تقدم الحكومة الأردنية على طلب التحكيم الدولي في قضية الغاز المصري، على غرار مافعلت إسبانيا بعد أن توقفت مصر عن توريد الغاز إليها وفق اتفاق موقع بين البلدين.
المخاوف المصرية تذهب إلى حد ربما تفكر معه الحكومة الأردنية بترحيل جماعي لأكثر من 300 ألف عامل مصري. فما الذي تفعله الحكومة المصرية الغارقة في أزمات داخلية طاحنة، إذا ما وجدت هذه الأعداد مكدسة على حدودها؟
ويضع المصريون في الاعتبار أيضا الآثار المترتبة على إجراءات يمكن أن يتخذها الأردن لتقييد حركة النقل البري بين البلدين.
لكن، إذا افترضنا جدلا بإمكانية أي من السيناريوهات المذكورة، هل سيقف الجانب المصري مكتوف الأيدي؟
صحيح ان الأردن لايحصل على الكميات المتفق عليها من الغاز، لكن ماذا لو امتنعت مصر عن توريد الـ 100 مليون قدم مكعب يوميا، ألا يفاقم ذلك من خسائر شركة الكهرباء وعجز الموازنة.
في المدى المنظور لا يوجد بديل للغاز المصري رغم شح كمياته، على الأقل حتى نهاية العام 2014 موعد إنجاز مرفأ مجهز لاستيراد الغاز من قطر وتحويله للغايات المطلوبة.
حتى ذلك التاريخ لا يستطيع الأردن أن يغامر بإجراءات تصعيدية ضد مصر تكلفه المزيد من الخسائر المالية. وعليه في كل الأحوال أن يواصل العمل مع الجانب المصري، لتذليل العقبات التي تعترض تطبيق الاتفاق بقدر ماهو متاح فعليا من كميات الغاز، ونزع الطابع الانتقامي عن حملات تصويب أوضاع العمالة المصرية، لأنها تنطوي على بعد غير أخلاقي، سبق للأردنيين أن عانوا منه في بلدان عربية عاقبت العمال الأردنيين على مواقف بلدهم السياسية.
على الجانبين تبذل جهود دبلوماسية مكثفة لاحتواء الأزمة، وعزل الهواجس السياسية عن المصالح الاقتصادية الوثيقة بين البلدين. وتجنب النتائج السلبية المترتبة على حالة الاستقطاب العربي والإقليمي على وقع الأزمة السورية المتصاعدة، والمخاوف المتنامية في أكثر من ملكية وإمارة من مشروع مصري لتصدير الثورة الإسلامية.الغد