jo24_banner
jo24_banner

عواصف على الرّبيع

محمد بدر
جو 24 :

لم يكن يتوقع أحد حتى في الأحلام أنّ مظاهرة في مكانٍ ما في تونس مهما كان حجمها ستؤدي بعد أيام إلى هرب بن علي ليصبح طريدا يتحسّر على أيام العز والسلطة ، يوم كان كثيرون ينتظرون إشارة أو كلمة منه لينفّذوا ما يريد بل وأكثر مما يريد . بل ربما يتطوّعون لطول عهدهم بالنّفاق بقراءة أفكاره وتوجّهاته قبل أن ينبس ببنت شفة . هكذا هو حال الطّغاة مع العبيد .
وكالشّقي الذي لا يتّعظ بغيره ويُصرّ أن يخوض التجربة بنفسه ، ليلاقي نفس مصير سابقه ، وضع حكام مصر واليمن وليبيا في أُذن طين وفي الأخرى طينٌ أيضا . فدولهم تختلف وحكمهم أكثر رشدا ورسوخا ، وأجهزتهم الأمنية أشد بأسا وتطّوّرا ، وشعوبهم أكثر هدوءا وانقياداً .... وتحبّهم .
ولأن السنن لا تتغير لمن فهم شروطها ونواميسها ، وأخذ بأسبابها . فالظلم لا يمكن أن يستمر إلا إذا قبل المظلوم ذلك واستمرأه واعتبره قدرا لا يستطيع ردّه ، لا لميزة في الطرف الآخر أو لقدراتٍ خارقة يمتلكها . كانت النتيجة واحدة وان اختلفت التفاصيل . ليعلم الناس أنّ ضعفهم وتخاذلهم وتفرّقهم هو ما مكنّ الطغاة من رقابهم وزاد في استبدادهم . فالضعف يُغري بمزيد البطش والقوّة .
وكما كانت الأحداث وسرعتها وتواليها مفاجئا للحكّام ، كانت مفاجئة للعالم أيضا ولدوائر صنع القرار فيه . فهم يُرتّبون مخططاتهم على أن الأوضاع مستقرّة وأنهم يتعاملون مع حكّام خالدون ومصالحهم مُصانة . فالديمقراطيّة آخر ما يهمهم حتى وان ادّعوا ذلك . فخبراتهم علّمتهم أنّ الحاكم الدكتاتور أقدر على مراعاة مصالحهم وحمايتها ، فالتعامل مع أفراد أسهل من التعامل مع الشعوب . انتظروا وانحنوا للعاصفة ، ظنّا منهم أنّ التغيير سيكون كما يحبّون ، وسيكون الحكّام الجدد نسخة مكررة عن السابقين . فليس مهما تغيير الأفراد طالما بقيت نفس السياسات والتّوجّهات ، وما دام أن المصالح بقيت في أيدٍ أمينة .
إلا أنّ الرياح لم تأتِ بما تشتهيه سفنهم . فجاء حكّام ليسوا من نفس النّهج . وكان الاهتمام منصبّا على مصر ، فهي دولةٌ قائدة ، وما يحدث فيها يؤثر على المنطقة لحجمها وموقعها ودورها . ولكن وجود المجلس العسكري في الحكم أعطاهم نوعا من الاطمئنان والأمان . إلا أنّ الإطاحة بالمجلس العسكري بشكل دراماتيكي قلب الطاولة وخلط الأوراق . فالقادم الجديد غير مضمون الولاء ، سيّما بعد أن طرح مبدأ التعامل بالمثل وندّيّة التعامل . كما أن المشروع التنموي الذي يُخطط له سيجعل دور مصر مركزيّا وفاعلا في المنطقة . أما القاصمة فكان الموقف من غزّة والمشكلة بشكل عام .
أُعتبر ذلك اختراقا لخطوط وهمية كان يُحظر الاقتراب منها فضلا عن اجتيازها . فبدأت المؤامرات معتمدة على خفافيش الداخل والذين يتحركون على إيقاع وتمويل ودعم الخارج . مستغلين ضعفا ومرونة وأخطاء في القيادة الجديدة . ومشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية خلّفها النظام السابق ، وخوف موروث من التّيار الإسلامي ، غذّته ونفخت فيه وسائل إعلام مملوكة لرجال أعمال يخشون على أنفسهم وأموالهم ، وقضاء ليس محايدا وأجهزة ما زالت مرتبطة بالنظام السابق .
هذه الأوضاع الجديدة وغير المأمونة جعلت العالم يُعيد ترتيب أوراقه وحساباته ، فكان موقفه من الثورة السورية مخالف لأبسط المبادئ والقيم التي يؤمن بها الغرب وهي الحريّة والكرامة الإنسانية والديمقراطيّة . وهذا ما عقّد الوضع في سوريا وأطال معاناة شعبها وزاد بطش النظام وشراسته . وهم يريدون إرسال رسالة بأن التغيير إن حصل يجب أن يأتي بحكام تغيّرت أسماؤهم ولكن لهم نفس الولاء .
الربيع هو أجمل فصول السنة ، ففيه عادة ، تجود الأرض بخيراتها ، فيكسوها مزيج فسيفسائي من الألوان الجميلة على قاعدة خضراء ، تأخذ بالألباب . وسماءٌ تكون شمسها مشرقةٌ حينا ، وكعذراء تُخفي جمالها أحيانا . إلا أن ربيع العرب بدأت تهبُّ عليه أعاصير لا تريد لإنسانه أن ينعم بالحريّة والكرامة كسائر البشر . ولكنّ اللهَ غالبٌ على أمره .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير