يا جلالة الملك.. لا حواراتنا منتجة ولا شهاداتنا تقرأ ولا أدواتنا تعمل
ابراهيم قبيلات
جو 24 :
سلّط الملك عبد الله الثاني يوم أمس الضوء على الأوراق النقاشية التي لم تحدث فارقاً في المؤسسات الأردنية، وبقيت مجالاً خصباً لمجرد التغني بها. جاء ذلك خلال لقائه في قصر الحسينية رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان.
نعم، لقد ظلت الأوراق الملكية النقاشية ورؤيته الإصلاحية الشاملة في الممكلة بإطارها النظري، مع استثناءات بسيطة لم ترق لمستوى الترجمة الحقيقية على أرض الواقع، بل اتُّخذت في أحيان كثيرة مكاناً لتزلف مبتذل يرى به وزراء ومسؤولون "متقاعدون" فرصة لإعادة الظهور مجدداً.
كان بإمكان الملك إخراج أوراقه من مستواها النقاشي إلى مستويات أخرى. وهنا تظهر ضعف الأدوات التنفيذية التي طالما شكونا منها.
اليوم يدرك السياسيون والنخب أن التزلف والتملق طريق مسدود ولا يوصلهم إلى القصر، ولا يعيد ضخ الحياة في شرايينهم المهترئة، لا بل عليهم أن يكونوا منتجين وفاعلين، وإلا فإن الخيارات تكاد تكون محصورة أمامهم.
هو ذلك ما نريده يا جلالة الملك. نريد وطناً ينهض به مسؤولون شرفاء يؤمنون بالمؤسسية وسيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، بعيداً عن موروثنا الأسود في مؤسساتنا الرسمية والخاصة.
نريد ان يستيقظ الموظف وهاجسه في يومه لا يتعدى مناخات وظيفته وأسباب نجاحه، لا نريده أسيرا لأمزجة مدراء ومسؤولين كلما سقطوا في فخ الوظيفة العامة يجري زراعتهم في وظيفة أخرى وبامتيازات أكثر، فينسى الموظف أدواته وقيمته لصالح الالتصاق بمعارف وأنسباء وأقرباء المدراء وأدواتهم الزئبقية.
بالنسبة للحكومة فإن ما تطرحه الأوراق النقاشية سيبقى حبراً على ورق إذا لم يحصل ابن الطفيلة وكثربا وفقوع وجديتا والمسيطبة ومخيم البقعة على كافة حقوقه الوطنية والوظيفية من دون أن يريق ماء وجهه على أعتاب المسؤولين.
اليوم، إذ ما اراد المواطن حقاً من حقوقه عليه أن يطوف البلاد سبعاً، ثم ييمّم لدى نائب منطقته مثلها، بعد ان يكون سعى بين المعارف والأقارب أزيد بقليل، وإذا ما أجيب طلبه، فهو مدين لعشرات الناس بالجميل والشكر، وعليه ترديد عبارات الثناء والفضل لكل هؤلاء "المفاتيح"، وإذ ما فكر أحدهم "أي "الواسطة" بترشيح ابنه لعريف صف سيكون مطالباً هو وأبناؤه ليس بانتخابه فقط، بل والمشاركة بنقوطه أيضاً.
نعم إلى هذا الحد وصلنا يا جلالة الملك، فلا حوارنا منتجا ولا شهاداتنا تقرأ، ولا ادواتنا تعمل. الفعل الحقيقي مرتهن بأمزجة دوائر ضيقة أحاطت نفسها بحبال لا نجيد ربطها أو حلها، وكل ما حولنا ليس أكثر من ضجيج بضجيج، وآن الأوان لتفتيتها ودفنها. لعل الناس اليوم مشحونة بالإيجابية كثيراً، وتتوق أكثر من قبل لرؤية الفاسدين خلف القضبان.