المربع الأول
العرب على وجه العموم مغرمون بالرجوع للمربع الأول..ولديهم تبريرات يقنعون أنفسهم بها ..! العربي الذي تراه (يُنظّر) عليك ليل نهار..ويشرح لك فكرته التقدميّة ..ويطلب منك أن تركب معه قطار الحضارة وسيارتها وبسكليتها؛ هو ذاته عند أوّل تغيير في مزاجه يطلب منك النزول من القطار والسيارة والبسكليت والرجوع مشياً إلى المربع الأول حيث أقنعك بالركوب من هناك ..!
كلنا الآن نعيش في المربع الأول في العقل و التفكير و القرارات ..رغم الشكل الحضاري الذي ترونه..! نناقش أعمق الأفكار و نقرر اضعف القرارات..نلبس آخر الموضة و نعود بعدها للصحراء القاحلة كي (نتمردغ ) فيها..نسافر لآخر الدنيا طلباً للشهادة وليس للعلم ..نضيّع عمرنا كي نقنع الآخر بضرورة التغيير ونحن لا نتغير عن جاهليتنا الأولى و الأخيرة..!!
حتى في الزواج ..ما زال مصير كثير من المتعلمات متعلقاً برأي أخيها غير المتعلم وابن عمّها الذي يتقن (الطخطخة) ولا يتقن الانتصار بالحياة ..! حتى في الحبّ ما زلنا نمشي أشواطاً ..ونعيش الحكاية..وفجأة وبلا مقدمات ؛ يدزّنا مزاج الخوف وتأنيب الضمير إلى المربع الأول رغم التنظيرات السابقة و الحسم بعدم العودة للوراء..!
نحن مشوهون من الداخل..نخاف من المربعات الأخرى في الطريق..الصحراء ترحل معنا بخيمتها و غنمها وقهوتها المُرّة..! نحن وإن خدعنا المرآة بأننا أجمل الناس؛ فإننا أقبح الناس في دوامة الحضارة هذه ..نحن ما زلنا نستمع للموسيقى كي نحنّ إلى صوت السيوف ..!
المربع الأوّل ليس مربعاً وهميّاً ؛ بل مكانًا نعقد فيه كلّ صفقاتنا ..وكل قصص حبّنا..وكل مواعيد فناجين قهوتنا ..وكلّها يضيّعها المتحالفون مع الخراب كي تبقى الحضارةُ لدينا شكلاً لا مضمون فيه ..والمصيبة أننا نملك كمّاً هائلاً من الكلام بأننا لسنا في المربع الأول..بل نحن في الشوط الأخير قبل الانتصار..!
ما أكذبنا..نحن في المربع الأول وبنينا عليه سوراً لا يمكن الخروج منه ..!