فكّة
زمان ؛ كنت لمّا أطلع بأي باص ..أتفقد جيوبي جيداً ..وأجهِّز ( الفراطة / الفكّة ) قبل الطلعة ..ويا ويلي إذا طلعت في باص ( الشونة الكرامة –الأجرة سبعة قروش أيامها) ومعي دينار ( ماسك على مكملو ) ..سخط الشوفير و الكنترول ينزل عليّ ..وأقل كلمة كنت أسمعها : ( انزل من الباص وجيب فراطة ) ..الآن ..وبالصدفة ..طلعت في باص ..الأجرة فيه ( عشرين قرش ) ..معي خمسة دنانير ( حمرا حمرا ) ..مددتُ الخمسة للكنترول وأنا جاهز نفسياً لمعزوفة من التذمر و تلطيش الحكي ..أخذ مني الخمسة ..وبكل برود رجّع لي الباقي ..!! قلتُ في نفسي ( الكنترول ابن ناس و ما بحب يغلط ) ..!! لذا ..قلت سأعيد التجربة في باص ثاني و بورقة مالية من فئة أكبر ..!!
ثاني يوم ..وفي باص آخر ..أخرجتُ ورقة ( العشرة دنانير ..يعني زرقا زرقا ) ..لم يلتفت الكونترول ..ولم يلطشني بأية كلمة ..ورجع لي الباقي ع البارد المستريح ..!! يا الهي ..اترون ..؟ يفكون لي العشرة دنانير من أجل خمسة وثلاثين قرشاً ..أنا لا أصدِّق ..قلت ..سأجرِّب مرة أخرى ..!!
بعد يوم أو يومين ..ركبتُ في باص مختلف تماماً ..أخرجت ورقة العشرين ..رجفتُ قليلاً ..ما رح تعدّي ..ع الأقل رح أسمعلي كلمة ...تناولها الكنترول ..نظر لي ..الآن سيتذمر ..قال : وين نازل ..قلت : دوار الداخلية ..!! رجّع لي باقي العشرين و مضى ..!!
بعد أكمن يوم ..لملمتُ نفسي ..و ركبتُ باصاً مختلفاً أيضاً ..مددتُ ورقة الخمسين ..وأنا موقن تماماً بالبهدلة ..فلا يعقل ..اعطيه خمسين دينار عشان خمسة وثلاثين قرش ..تخينة كثير وكبيرة ..!! هالمرّة ..جحرني ..أطال جحرته ..لسانه سينطلق ..الآن ..نعم الآن سيبدأ ..قال : حساب واحد ..؟؟؟ قلتُ وأنا خربان من جوّا : آه ..واحد بس ..!! قال : معلش ..؟ قاطعته بسرعة : تفضل تفضل ..!! قال : هاذول أربعين دينار ولحظات أجيبلك الباقي ..!!!
لا أعرف لماذا أروي لكم ذلك ..بالتأكيد أن التجربة كانت مذهلة ..وهي إحساس مباشر بقيمة الدينار ...فقد قال لي صديق : في نهاية الستينات ؛ ركبنا في باص من القديمات يعني الحجم الكبير ..وكان في أرضية الباص فتحة ترى الاسفلت من خلالها..كانت الأجرة تعريفة ( نص قرش ) ..وعندما مد أحد الركاب يده ليعطي اجرته ..سقط ( الشلن / خمسة قروش ) من الفتحة ..فضج الباص كلّه ..وتوقف الشوفير ..ونزل كل من بالباص يبحثون عن الشلن ..ولم يجدوه ..و حزنوا لحزن صاحب الشلن ..فعملوا له ( لمّة ) تعويضاً له عن المصاب الجلل..وأصبحت حدثاً يؤرخون به و يقولون :..لمّا أبو فلان ضيّع شلنو ..!! ويرحم أيّام الفكّة..والقروش القلال ..!!