مي سكاف التي لم تشبع من الوطن
وداعاً أيتها الساحرة الشرقيّة..وداعاً لعينيك اللتين ترسلان بريق التحدّي في وجه الطغاة..! لقد أوجعني فراقك المفاجئ؛ وأوجعني أكثر أنك لم تري سوريّة للمرة الأخيرة؛ لم تستنشقي هواء حريتها ولم تلعب ريحها بشعرك ككلّ مرّة قبل أن تغادريها هروباً من القتلة..!
كلّ الذي جمعني بالفنانة الثائرة والنقيّة «مي سكاف» هو ثلاث مكالمات تلفونية فقط حينما كانت بالأردن: المكالمة الأولى كانت متخوفةً منّي وأنا أحاول أن أقنعها أن تكون ضيفتي في برنامجي الحواري التلفزيوني (تنفيس مع أبو وطن) ؛ كانت حاستها الأمنيّة كبيرة ؛ وكي أُطمئنها أعطيتها وقتاً كي تسأل عنّي وتقرأ مواقفي رغم أنها لم تقلها لي مباشرة ولكنّ طريقة كلامها كانت توحي بأنها تشكّ بكلّ شيء جديد ..غابت عنّي ساعتين أو أقلّ ثم اتصلت بي؛ كانت دافئةً وفي صوتها فرح وكانت منطلقة وهي تتكلّم عن الحريّة وعن حقوق الانسان..بل كانت ثائرةً لا تقبل الحياد تجاه ما يحدث في بلدها سورية ووافقت أن تكون ضيفتي في البرنامج التلفزيوني؛ وحددتُ لها الموعد وأنا أُمنّي النفس بحلقة مختلفة وتاريخيّة مليئة بالشجون والتمرد..وبدأتُ بالتحضير إلى أن جاءتني مكالمتها الثالثة والأخيرة قبل الموعد بأيّام قليلة تعتذر بشدّة عن الحلقة لأن فرنسا وافقت على رحيلها إليها وها هي تلملم أغراضها وأنتهت المكالمة بخيبة أملي وبصوت غربتها الذي كان يفتح مساحات شاسعة لحظتها على المجهول..!
ماتت «مي سكاف» قبل يومين في فرنسا..ماتت ولم تصل الخمسين بعد..ماتت فجأة وبلا مقدمات..ودون أن تحقّق حلمها الأخير الذي كتبته في صفحتها بأن تموت على أرض سوريا..! ماتت وهي تحلم بالأمل وبانتصار الحريّة..مات بعد أن نكّل بها السارقون أحلام الشعوب واعتقلوها في بدايات الثورة السورية..ماتت بعد ما شبعت غربةً ولم تشبع من الوطن..!
ماتت الـ(تيماء) في مسلسل «العبابيد» فجأةً وبلا مقدمات..ولكنّ لم يمت تمردها وثورتها ..ولم يمت سحرها الذي سيبقى يزكم أنوف القتلة..!