الشارعُ المرفوعُ للأعلى

امسك الشارع بقبضتيك..حاول أن ترفع الشارع إلى الأعلى..حاول أن تلفّ حول نفسك عشرات المرات والشارع مرفوع بقبضتيك ..حاول أن تجعل الشارع يدوخ ويدوخ وأنت تلفّ به حول نفسك..! إياك أن تستجيب لأية نداءات في الشارع المرفوع بقبضتيك للأعلى ؛ مثل: مشان الله نزلني..دوختي ..خلص بكفّي..!
إيّاك أن تشفق على أحد في تلك اللحظة فقط..اكبح عواطفك الجبارة..استمرّ بما أنت فيه ..اخلط البشر بالبشر..اجعل كل الأشياء التي في الشارع المرفوع تماماً بقبضتيك للأعلى تتداخل..خلِّ سيارةً مركونة بلا بنزين تتدحرج حتى تستقر على حائط وبينها وبين الحائط رجلٌ يبحث عن عمل منذ سنوات ..امنعه من البحث..! حاول أن يتجمع كل العشب الذي في الشارع على رأس امرأةٍ كانت تحلمُ برقصة الانفكاك من عيون المارّة ..!
هذا الشارعُ دوّخنا آلاف المرات..وآن أوان بأن يدوخ..! هذا الشارعُ ارتكب من الخطايا ما يكفي لبناء مليون جهنم..! هذا الشارع أكبر خطاياه بأنه يتذمر؛ لا يعجبه العجبُ والصيام إذا حضر رجبُ ..لأن (رجب) مشغول للآن بهيفا وصاحبه ..وما زال للآن يقنعه بأن (يحوشه) عنها بعد أن جننها..! شارعٌ يتذمر من الأسعار مع أنها مؤدبة..يتذمر من صفقة القرن مع أنها صفقة يعني (بزنس) حد يزعل من البزنس؟! يتذمر من طابور الفوضى..يتذمر من أكلة المقلوبة ومن فوائد المنسف..! يتذمر من وزرائه لأنه يحقد عليهم بسبب ربطات عنقهم وكنادرهم أم بوز..!
الآن ..وبعد أن داخ الشارع من لفّك ودورانك به وهو المرفوع بقبضتيك للأعلى..الآن..نعم الآن..ارمه على طول يدك..وين ما ييجي ييجي..! ولتتكسر الكؤوس على الطناجر..ولتدخل الأقدام في كلبشات المستقبل الذي ربما لا يجيء إلا باللصوص والحيتان وأصحاب نظريات: هذا الوطن خيره لي فقط!