jo24_banner
jo24_banner

"عبدة الشيطان" والإعلام الكسول

فهد الخيطان
جو 24 :

بعد ساعات على نشر مواقع إعلامية وصحفية تقريرا موجزا عن إحالة خمسة من طلبة جامعة آل البيت إلى المركز الأمني، بزعم انتمائهم لجماعة "عبدة الشيطان" وتمزيق صفحات من القرآن الكريم، وقبل أن يشرع قاضي تحقيق بأخذ أقوالهم أو توجيه أي اتهامات لهم، سارع أحد قياديي التيار السلفي الجهادي إلى إصدار فتوى بهدر دماء الطلبة الخمسة. والفتوى هذه بمثابة دعوة مفتوحة إلى قتلهم قبل الاستماع لأقوالهم، ليجردهم من أبسط حقوقهم كمتهمين.
في اليوم التالي، أصدرت الحركة الإسلامية بيانا تَعامَل مع تلك المزاعم على أنها حقائق ثابتة ومستقرة، وكال الاتهامات للحكومة على تقاعسها تجاه هذه الظاهرة، مذكرا بحفل موسيقي نظمه مراهقون بداية العام، اتهم من شارك فيه بالانتماء إلى "عبدة الشيطان"، هكذا وبدون أدلة.
فتحت المواقع الإلكترونية والصحفية باب التعليق للقراء على الموضوع، ونشرت صورة تعبيرية فهم الجمهور خطأ أنها للطالبة المتهمة والموقوفة على ذمة التحقيق. ولكم أن تتخيلوا نوعية الردود. فقد انجرف الجمهور، كالعادة، خلف حملة الإدانة المسبقة لشبان مراهقين، بدون أن يكلف أحد خاطره بالسؤال عن التفاصيل، والتحقق من صحة الإدعاءات وانتظار نتائج التحقيق.
جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق وسائل الإعلام التي لم تقم بدورها في تقصي الحقائق من الميدان، وتسجيل رواية مختلف الأطراف؛ إذ اكتفت بنشر الفتاوى وبيانات التنديد، فجعلت من الشبان الخمسة مجرمين ومرتدين في نظر جمهورها.
يوم أمس فقط، قرأت رواية لوالد أحد الشبان المتهمين، والذي تجرأ وكشف اسمه في تصريحات لموقع "جو 24" الإخباري. الرجل قال إن رواية "عبدة الشيطان" مختلقة من أساسها، وكل ما في الأمر أن ابنه على خلاف مع نشطاء في التيار الإسلامي داخل الجامعة على خلفية الانتخابات الطلابية. وسبق أن اعتدى هؤلاء عليه، حسب ما يزعم. واتهم أعضاء التيار الإسلامي بتدبير واختلاق قضية عبدة الشيطان انتقاما من ابنه.
وفي موقع إلكتروني آخر ("جراسا نيوز" على ما أذكر)، قرأنا تصريحا لمسؤول في عمادة شؤون الطلبة في جامعة آل البيت، قال فيه إنه لم يثبت بالدليل القاطع قيام الطلبة المتهمين بتمزيق نسخ من القرآن الكريم. مضيفا أنها ليست المرة الأولى التي تسجل فيها حادثة غير اخلاقية كهذه. وقال إن الطلبة الخمسة كانوا يعزفون موسيقى غربية، ولم يثبت أنهم من عبدة الشيطان، وتم تسليمهم للمركز الأمني لحمايتهم من غضب جمهور الطلبة.
لم تكترث وسائل الإعلام بهذا الكلام، ومضت في نشر البيانات والتعليقات التي تحرض على قتل الطلبة الخمسة. وزاد الطين بلة قرار توقيف الشبان الخمسة في سجن الجويدة، بدون تقديم توضيحات كافية من طرف جهات التحقيق لموجبات التوقيف أو التهم الموجهة إليهم.
الأفعال المنسوبة للمجموعة الطلابية، إن ثبتت صحتها، مقززة للغاية، وتنتمي إلى سلوك عبثي شاذ، انتشر في دول كثيرة في العالم. لكن من الصعب على المرء أن يصدق وجوده كظاهرة في بلادنا. الأرجح أن البعض من الشبان المراهقين يحاول أن يحاكي عن جهل مظاهر ثقافية غريبة؛ في اللباس والموسيقى، من غير أن يدرك دلالاتها في الثقافات الغربية.
بدل أن نصدر الفتاوى بالقتل، يتعين على المسؤولين في الجامعات أن يقوموا بدورهم التوعوي، كما يتوجب على وسائل الإعلام "الكسولة" عدم التسليم بالرواية السائدة، والبحث عن الحقيقة من كل جوانبها.
(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير