هل تراجع الأردن عن مشروعه النووي السلمي؟!
باختصار، لم يتراجع الأردن، لكن برزت أولويات وتحديات، دفعت لتغيير استراتيجية الحصول على الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية، لكن كثيرين منا لا سيما في إعلام الإثارة والعشوائية، يقفزون الى مربع أخير موجود في أذهانهم، ويتحدثون هجوما واتهاما للدولة ولمؤسساتها، ويطاردون بعض النجاحات معتمدين الشخصنة في مقاييسهم وأهدافهم غير البناءة..
قرر مجلس الوزراء قبل أيام تصفية الشركة الأردنية للكهرباء النووية، والتي تم تأسيسها في نهاية عام 2015، واعتبر بعضهم بأن تصفية الشركة تعني أن الأردن تراجع عن مشروعه النووي وأن ثمة فسادا وإنفاقا كبيرا على مشروع فاشل، وتداولوا أرقاما غير صحيحة عما أنفقته شركة الكهرباء المذكورة على الدراسات، وقالوا «ضاع علينا» حوالي 45 مليون دينار، وتساءلوا اتهاما (وين طاروا الملايين؟)..وتبدو الأسئلة مقبولة لدى بعض الذهنيات حتى لو توفرت الإجابة النافية المقنعة..هؤلاء لا يهمونني في شيء حين أكتب ما أعرف وما أنا متأكد منه، فهم لن يغيروا قناعاتهم القائمة على الشخصنة والعدائية المقيمة.
أراد الأردن أن يقيم مشروعا نوويا سلميا لتنويع مصادر الطاقة، وتعاقد مع شركة (روس أتوم) لتطوير هذا المشروع، وإعداد دراسة لتدشين مفاعلين نووين، يوفركل واحد منهما 1000 ميجا وات، وفي عام 2015 وقعت اتفاقية بين الحكومتين (الأردنية والروسية) لإقامة المفاعلين، والاتفاقية التي تم توقيعها معنية بتطوير المشروع، ويعود الفضل للحكومات الأردنية بأنها وضعت المشروع على مرحلتين، الأولى وهي مرحلة ما قبل الاستثمار تتعلق بإنهاء دراسات البنية التحتية وهي (بيئية وزلزالية ومياه التبريد والطقس ودراسات تتعلق بنقل المفاعل من الميناء إلى الموقع)، وهذه الدراسات جميعها تم تجهيزها من قبل شركة الكهرباء النووية الأردنية، علما أن «عقبة التمويل» هي العقبة الأساسية في استمرار المشروع بالحجم المذكور، وقد أنهت الشركة الدراسات كلها بنجاح كامل، وهي خطوة انتهت ولن تعود إليها أية جهة تريد تدشين مفاعلات بأي تكنولوجيا «روسية أو امريكية او صينية» او غيرها (الدراسات جاهزة وكلها إيجابية).
اتفق الأردن مع «روس أتوم» بأن المرحلة الأولى (ما قبل الاستثمار) مدتها 4 سنوات، وقد انتهت، وهنا يجب ان نذكر الفضل للحكومة الأردنية التي لم تتورط بمآزق قانونية او مالية، وأن نلاحظ أن الحكومة ليس بمقدورها أن تقترض للمشروع ولم تقدم كفالات مالية، كما فعلت مصر مع «روس أتوم» مثلا، التي اتفقت على انشاء 4 مفاعلات نووية وحصلت على قرض تمويلي من الحكومة الروسية لهذه الغاية، وقدمت مصر كفالة حكومية مالية، بينما العرض الذي حصلنا عليه في الأردن عرض تمويلي تجاري جاء من روس أتوم وقيمة الفائدة فيه 8 %، وحيث انتهت المدة وتمت الدراسات وجاء العرض التمويلي تجاريا، ولا يوفر عائدات اقتصادية مهمة للأردن، جاء القرار بتصفية الشركة الأردنية للكهرباء النووية، وما زال للأردن كل الخيارات لتستمر في اختيار تكنولوجيا أخرى سواء أكانت مفاعلات كبيرة أو صغيرة، فتصفية الشركة بهذا المعنى جاءت كاستحقاق بعد مرور 4 سنوات وانتهاء مرحلة ما قبل الاستثمار، وهذا لا يعني بأن الأردن تراجع عن مشروعه النووي السلمي..ماذا بقي في اخباركم؟
حسنا؛ بقي أن نقول أن المبلغ الذي تم انفاقه على المرحلة الأولى من خلال شركة الكهرباء هو 17 مليونا فقط، حصلنا فيه على دراسات إيجابية كبيرة تتيح لنا الاستمرار بالمشروع على الشكل الذي نراه.. إذا يجب أن نقول للمثيرين ولأخبارهم المثيرة، انت لا تتقون الله في هذا الوطن هذا شأنكم، لكن لا تقوموا بنشر أخبار ومعلومات غير دقيقة وغير صحيحة، افهموا الموضوع اولا ثم تحدثوا بعبارة كاملة، او ارتاحوا واصمتوا.
ملاحظة مهمة: ستنشر الدستور حقائق أخرى مهمة مطلع الأسبوع القادم.الدستور