jo24_banner
jo24_banner

في الخوف والقلق أيضاً

كامل النصيرات
جو 24 :

ردود الفعل التي وصلتني على مقالتي ( سأقلق وأخاف) المنشورة الأربعاء الماضي؛ فاقت توقعاتي. وهذا يدلّ أن القرّاء ما زالوا بخير؛ إلاّ أن ردّا أو تعليقاً وصلني من الدكتور محمود فايز البطاينة حرّك فيّ الكامن وخضّني إذ واجهني مع ما أهرب منه ..الردّ أضعه بين يديكم لتروا تشخيص الحال وما آل إليه المآل؛ علماً أنها وجهة نظر تستحق ولو كانت قاسية بكلمات غاضبة.
كتب الدكتور محمود فايز البطاينة:
لا تقلق أخي، فنحن ننتمي إلى أمة تعالج القلق بمزيد من القلق، وتجبر المكسور قبل أن ينكسر، ويبدأ هذا العلاج منذ السنين الأولى على مقاعد الدراسة، فتشرق الدنيا بوجه الطلاب، وهم يتعرفون على حقوقهم المدنية، وما كفله لهم الدستور من عدالة وتكافؤ فرص، ثم تطالعهم كتب التراث بصفحات المجد المضمخ بالكبرياء، أمة واحدة ذات رسالة خالدة، وفتوحات أموية، وانتصارات عباسية.
فيكتنز الطالب كرامة وكبرياء، ويمتلئ فخرا وأملا بمستقبل مشرق، فيا مسكين قد خدعوك وخدَّروك، وهيأوك لتحمُّل الصدمات، وغرسوا في أعماقك البلادة.
وما أن يفتح هذا المخدوع عينيه على الحقائق، حتى يصاب بالانفصام؛ فما قيل له عن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص قد تلاشى من خياله؛ فمكرمات لهؤلاء وجسيم لأولئك، ومنح لأبناء النواب والوزراء، ووظائف محمية لا يمسها إلا المقربون، فلا يملك هذا المنتمي إلا أن يُقَلِّب كَفَّيْه على وطنية تقلدها غدت خاوية جوفاء.
وما أن يُقَلِّب بعض صفحات التاريخ حتى يكتشف كم كان مغفلا! فلا أمة واحدة، ولا فتوحات مشرفة، ولا انتصارات يُفْتَخَر بها؛ فقتْلٌ، وصَلْبٌ للأحياء، وتمْثِيلٌ بالأموات، ورؤوسُ أمويين على مقصلة عباسيين، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تجاوزه إلى القرصنة الأموية في انتهاكهم للمدينة المنورة ومكَّة المكرَّمة، في المَخْجَلة التاريخية التي سميت بوقعة الحرة، وغير ذلك من الفضائح.
فعندها يصاب هذا المنتمي بخيبة الأمل، فهو بين أمرين إما أن يكفر بالتاريخ الملطخ وينزع من عنقه ربقة الوطنية والانتماء، ويضْحي شريدا طريدا، أو يروض نفسه على الصدمات واللكمات، ويقْبل بالفُتات، ويقول: الحمد لله، أنا أفضل من غيري، ثم تراه شيئا فشيئا يتحول من مخدوع مقهور إلى ممتن شاكر لأنعم الحكومات.
وهكذا ينشأ الشعب الوطني جيلا بعد جيل، خافضا رأسه ذليلا منكسرا، وكذا يُسَمَّن الطغاة ويقدسون، فلا تقلق على أمة هذه حالها، وهؤلاء علماؤها ومعلموها، وفوق كل ذي علم عليم.

 
تابعو الأردن 24 على google news