تقديس العُطلة
لليوم لم تبدأ الدراسة..لليوم ما زلنا في الترتيبات لبداية الدراسة..نحن أمّة تقتل الوقت بفنّية احترافيّة..! أول سؤال يسأله الطالب عند دخوله المدرسة في أوّل يوم دوام: متى العُطلة؟ نربي أبناءنا على تقديس العُطلة..نجعلهم كسالى الحياة وبعد أن يكبروا نطلب منهم صنع المعجزات..!
غداً عُطلة رسميّة..والمدارس لم تبدأ درسها الأول؛ لو ترون فرحة الطلاب..ولكن قبل فرحة الطلاب اسألوا عن فرحة المعلمين..اسألوا عن فرحة كل الموظفين في كافة الدوائر والمؤسسات..اسألوا الذين يفرحون بيوم يضيع من أيّامهم لماذا الفرح؟ هل لأننا أمّةٌ هباء..أمّة لا تعي للآن أن اليوم الذي نخصمه من حياتنا تجلس الأمم الأخرى وتعمل على بناء مدماك جديد في حضارتها..!
أتذكر حادثة ما زالت مزروعة في مخيلتي: شاب عاطل عن العمل..كان يلوم الزمن والحظ والتاريخ والجغرافيا..كان يدعي بأنه ينتظر فرصة لكي يعمل..وبعد عشرين ألف واسطة أخذه أحدهم من يده وشغّله في دائرة حكومية ..وأوصاهم به خيراً..وعاد الواسطة إلى بيته بعد أنّ مرّ على السوق وتبضّع..وما أن وصل البيت حتى شاهد الشاب العاطل عن العمل عائداً ..فاستغرب..لم يفت على التحاقه بالعمل ثلاث ساعات ..سأله: طردوك؟ فضحك الشاب قائلا: لالا شو يطردوني..بس أخذت 14 يوم إجازتي السنوية..وكانت نكتة الموسم بالنسبة لنا..! هو ترك العمل من أول لحظة..!
يا لخسارتنا جميعاً..من يرى مناظر التلاميذ الصغار بحقائبهم المدرسية الثقيلة وهم محنيّو الظهر مهدودو الحيل يعتقد للحظة الأولى أن هذه الجموع تتحمل كل ذلك الألم اليومي من أجل العلم وبناء الحلم والتقدّم الإنساني..ولا أحد يعلم لحظتها أن تلك الأسفار المحمولة هي مجرد (حركة آلية) ينفذها الطلاب لأنهم آلات لا تعي أن الألم الآن يجب أن يولّد ابداعهم..ولا أحد يعي أن تلك الحمولة الثقيلة تبحث عن عُطلة مقدّسة كي تنضم غداً إلى قوائم الخراب..!
نحن بحاجة مُلحّة لاعادة تعريف المفاهيم كلّها كلّها دون استثناء..بدون ذلك سنبقى ندور في لعبة الحياة دون أن نفهمها ونبقى نبحث عن عُطلة وسط العُطلة كي نرتاح في العُطلة من العُطلة..!!