من هو الصديق الحقيقي؟
يباغتني أكرم الزعبي بسؤال مسكوت عنه في أحد الجروبات الواتسية؛ يوجه سؤاله لي تحديداً: كامل؛ من هو الصديق الحقيقي؟ أشعلني السؤال؛ أتى على كلّ حطبي مرةً واحدة. فالدخول في التعريفات والمفاهيم بالمفردات الحسّاسة هو فتح نارٍ مستترة لدى الكثيرين..ولكنني وعدته أن أجيب هنا؛ بالتحديد هنا؛ لتكون قناعتي بالاجابة هي خلاصة تجربتي عن الصداقة الحقيقية..حتى يتبدّى للمبحرين في وهم الصداقة أنّ الكنز الحقيقي هو أن تعرف صديقك الحقيقي..
يا أكرم ؛ أيها المُغطّى بـقريتك الحورانيّة (خرجا) ليلاً..أيّها المتشعبُ ما استطعت في فضاءات الوطن كلّه نهاراً..لماذا تصرّ على العودة إلى (قريتك) كل يوم..؟ لماذا تصيبك (التناحة) على مشارف الفجر في كثير من المرات وأنت في عمّان إلاّ أن تركض إلى (خرجا) تغمض عينيك هناك وأنت تعرف أنك صباحاً يجب أن تعود لعمّان..؟ لماذا؟ لأنها صديقتك الحقيقية..لأنها مأواك الذي تطمئن إليه..لأنك تخبّئ فيها أسرار الكون..لأنك تأخذ منها بلا شرحٍ للأخذ وتأخذ منك بلا أسباب..! لأنك تمدّ يديك إلى جيوبها فلا ترمش لها عين..ولأنها تتمدّد فيك ولا تشعر باحتلالها الناعم لك ..!
كذلك هو الصديق الحقيقي..من لا تنتظر منه إلاّ كلّ شيء..فلا يتذمّر ولا يتنكّر ولا يتهرّب..! ذاك الذي إن مالت بك الأيّام تشعر أنك ستأوي إليه بلا خجل؛ بلا حساب للكلمات..بلا حساسية من احتمالات الرد..ذاك الذي يعرف عنك أدق التفاصيل منك؛ لأنك تعرف أدق تفاصيله منه..! ذاك الذي (جزدانك) جزدانه..وحين يتساقط شعر رأسك يصاب هو بالصلع..!
يا أكرم : لا تحسب فوضى الأصدقاء التي تنتشر في الزمن هي صداقة حقيقيّة..أنا أصرف لعشرات الناس كلّ يوم كلمة صديقي وصديقتي..وأعلم في قرارة نفسي أنها كلمة لا تعني أكثر من حروف..ولكنّ إن جدّ الجد فالكلّ يعرف حدّه..فالصديقي الحقيقي لا توجد أسباب حقيقة لاستسلامك الجميل له إلاّ أنها الكيمياء ..!
يا أكرم: يا من كسّرتُ معه ومع قلّة قليلة يشبهونه؛ كلّ حواجزي..الصديق الحقيقي وطنّ غير قابل للبيع والشراء ولا للتقديم والتأخير ولا لدخول الحسابات..ولا يقبل إلاّ أن يعطي قبل أن يأخذ..فلتقرّ عيناك يا وطني الحقيقي..!