jo24_banner
jo24_banner

تغيير ثوابت الإستراتيجية هو الطريق إلى الإصلاح الحقيقي

أ.د.أحمد يوسف التل
جو 24 :

إعداد الأستاذ الدكتور أحمد يوسف التل

مقدمة:


نتيجة متابعتي لقرارات وسياسات النظام الأردني في التعامل مع الربيع الأردني منذ مطلع عام 2011 وحتى اليوم (فبراير 2013) وقراءتي لمنجزات عملية الإصلاح الدستوري والسياسي الشكلية التي حققتها الحكومات الأردنية الخمس المتعاقبة خلال السنتين الماضيتين، وفي مقدمتها التعديلات الدستورية التي شملت ثلث مواد الدستور، وإنشاء محكمة دستورية، وإنشاء هيئة مستقلة للانتخاب، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وتعديل قانون الانتخاب الذي تضمن رفع عدد مقاعد "القائمة الوطنية" من (16) مقعداً إلى (27) مقعداً، وتخصيص خمسة عشر مقعداً للكوتا النسائية، وبعد اطلاعي على الأوراق النقاشية الملكية للإصلاح الشامل وخريطة الطريق للتحول الديمقراطي في الأردن التي طرحها الملك عبدالله الثاني بن الحسين قبل انتخابات المجلس النيابي السابع عشر، واطلاعي على ما نشر في مختلف وسائل الإعلام من تقدير وإعجاب وتأييد مطلق لما ورد في تلك الأوراق النقاشية الملكية، واستناداً إلى تركيز جلالته على ضرورة ممارسة الحوار كمرتكز أساسي للسير في عملية الإصلاح، وأنه لا سقف لحرية الرأي سوى السماء، ودعوة جلالته للأردنيين إلى المشاركة في هذا الحوار،
وبناءً على دراستي المعمقة لتاريخ الأردن المعاصر والقضية الفلسطينية، وتحليل الأحداث البارزة التي مرَّت بها تطبيقات الإستراتيجية الأردنية منذ تأسيس الإمارة
وحتى اليوم، رأيت من واجبي أن أشارك في الحوار المطروح حول الأوراق الملكية النقاشية من خلال تحليل أبرز  ثوابت وعناصر ومرتكزات الإستراتيجية الأردنية من حيث جذورها، ومشكلاتها وإخفاقاتها، ومستقبلها، واقتراح مبادئ لإستراتيجية جديدة للإصلاح الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي الذي يسعى الأردنيون إلى تحقيقه  في ضوء الربيع الأردني والواقع العربي والتطور العالمي.


فقد ورد في كتاب «الإستراتيجية الأردنية» لمؤلفه الدكتور أحمد عبد الرحيم الخلايلة، أن الثوابت التي واكبت مسيرة الأردن، وبقيت ركائز ثابتة في إستراتيجياته المرحلية كافة، هي التي أدَّت إلى الأزمات التي يواجهها الأردن هذه الأيام، هي:


أولاً: مبادئ الثورة العربية الكبرى:


تركت الثورة العربية الكبرى في السياسة الأردنية تأثيراً واضحاً، ظهر في ممارسات القيادة الأردنية الهاشمية، وأطَّر مسيرتها ضمن شعار (الوحدة والحرية والحياة الفضلى)، بحيث أصبحت هذه المبادئ مطلباً أردنياً يحكم كافة الإستراتيجيات الوطنية التي تضعها الحكومات الأردنية المتعاقبة دون اعتبار لعواقبها وعدم إمكانية تطبيقها.


ولذلك فإننا نلاحظ إصرار القيادة السياسية الأردنية على ربط الأهداف السياسية بالتاريخ وأهداف الثورة العربية الكبرى مما انعكس على موقف الأردن من القضية الفلسطينية بشكل عام وموقف الأردن من الدول العربية الأخرى، وسعي الأردن للحصول على دور مستقبلي في فلسطين على حساب المصالح الأردنية الوطنية.


وأصبحت "الوحدة العربية" هي هاجس القيادة الأردنية، ودفعت جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول إلى بذل كل طاقاته لتحقيق وحدة سورية الكبرى والهلال الخصيب وصولاً إلى وحدة المشرق العربي التي ناضل الهاشميون من أجلها.


كما أثَّرتْ الثورة العربية الكبرى في الفكر السياسي الأردني وحصرته في حل المشكلات السياسية الناجمة عن التمسك بمبادئها وأهدافها، والتعامل مع نتائجها بوصفها عوامل إيجابية. وأخذت هذه النتائج موقعاً متقدماً في سلَّم أولويات الإستراتيجية السياسية الأردنية على حساب مطالب وطموحات الحركة الوطنية الأردنية، وعلى حساب حق الشعب الأردني في التمتع بمزايا الاستقلال والحرية والكرامة والحياة الفضلى.


وبعد أن اكتشف جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول غدر الحلفاء لقادة الثورة العربية الكبرى، وتقسيم المنطقة العربية إلى دول قطرية بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا في أيار 1916 وقسمت فيها بلاد الشام إلى مناطق متعددة، وعدم دعم الإنجليز لجلالته لتحقيق مشروع سورية الكبرى، أَقدَم على إقامة وحدة جزئية بين الأردن وقسم من فلسطين (الضفة الغربية)، ودفع حياته ثمناً لتلك الوحدة عند دخوله بوابة المسجد الأقصى للصلاة يوم الجمعة 15 تموز 1951.


ونتيجة لتبني القيادة الأردنية لمشروع الوحدة العربية لم تحقق تلك القيادة سوى المزيد من الإحباطات، والمزيد من كراهية وعداء الدول العربية للأردن، والمزيد من الشك والخوف في نواياها التوسعية وارتباطها الوثيق بسياسات الحليفة التقليدية الكبرى بريطانيا، والمزيد في تدهور مستوى المعيشة لمعظم الأردنيين.


وقد استمر سلوك الدول العربية المعادي للقيادة الأردنية حتى اليوم حيث برز ذلك السلوك في الأشهر الأخيرة لعام 2012 من خلال موقف الحكومة الليبية من مطالبات وزارة الصحة الأردنية بدفع تكاليف المرضى الليبيين في المستشفيات الأردنية، ووقف ضخ كميات الغاز المصري المتفق عليها بين الأردن ومصر بشكل يؤدي إلى خنق الأردن اقتصادياً، وإغلاق الحكومة العراقية الحدود بينها وبين الأردن، ووقف الصادرات والواردات بين الدولتين، وتوقيف شاحنات النفط من العراق إلى الأردن، وتهجير أكثر من (350) ألف سوري من سوريا إلى الأردن بسبب الحرب الأهلية في سوريا، تبلغ كلفتهم 590 مليون دينار خلال السنتين الماضيتين، وانخفاض الأعمال التجارية، والزراعية والسياحية والاستيراد والتصدير إلى حدٍ خطير بين الدولتين، بحيث التقت هذه الدول العربية في موقف موحد هو محاربة الأردن والضغط عليه لتغيير استراتيجياته التي مارسها ضد القضية الفلسطينية خلال الستين سنة الماضية.


ثانياً: وحدة الأردن وفلسطين عام 1949:


بما أن شعار «الوحدة العربية» كان من أبرز ثوابت استراتيجية القيادة الأردنية، وبعد أن شعرت تلك القيادة بفشلها في تحقيق ذلك الشعار في عهد الإمارة، وجدت في الحرب العربية – الإسرائيلية لعام 1948 فرصة لتحقيق جزء من ذلك الشعار. فبعد أن توقفت العمليات العسكرية على كافة الجبهات بين العرب وإسرائيل عام 1949، ونجح النظام الأردني في حماية القسم المخصص للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم والمعروف بالضفة الغربية من خطر الاحتلال الإسرائيلي بعد تقديم أغلى التضحيات وأروع المعارك من أبطال الجيش العربي الأردني في مناطق القدس واللطرون وباب الواد، قررت القيادة الأردنية في عام 1949 بالتعاون مع زعماء الضفة الغربية ومخيمات اللاجئين إقامة الوحدة بين الأردن وفلسطين «وحدة الضفتين» لسببين أساسيين، الأول هو تحقيق جزئي لهدف من أهداف الثورة العربية الكبرى وهي «الوحدة»، والثاني حماية الضفة الغربية من خطر احتلالها من قبل إسرائيل، بعد أن تصبح جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية ومشمولة بمعاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين الأردن والمملكة المتحدة.

وقد ثبت للقيادة الأردنية عدم سلامة هذين السببين لأن تحقيق أهداف الثورة العربية الكبرى لا يقع ضمن قدرة ومسؤولية المملكة الأردنية الهاشمية وحدها وإنما هو من مسؤولية الدول العربية مجتمعة. كما ثبت بطلان السبب الثاني من إقامة وحدة الضفتين وهو حمايتها من الاحتلال الإسرائيلي، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967 دون أن تبادر الحليفة الكبرى بريطانيا إلى مساعدة الأردن لحمايتها من الاحتلال الإسرائيلي.


فقد ورد في الموسوعة الفلسطينية أن نكبة عام 1948 أدّت إلى فقدان الأرض الفلسطينية هويتها التاريخية، فلم تحتفظ الأجزاء التي احتلتها إسرائيل بمدلول التسمية الفلسطينية. كما تمّ تغيير المركزين السياسي والقانوني لبقية الأرض الفلسطينية التي لم تخضع لإسرائيل. فقطاع غزة أصبح تابعاً لسلطة الحاكم العسكري المصري، وما عرف "بالضفة الغربية" أصبح جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وفَقَدَ الفلسطينيون حق السيادة على أي رقعة من أرض وطنهم التاريخية. كما تمّ طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي على أنها أحد نماذج الصراع الدولي بصفتها مشكلة لاجئين أو خلاف بين دول متجاورة. وكاد تعبير القضية الفلسطينية يختفي اختفاءً شبه كامل من القاموس السياسي الدولي حتى تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964. ويحق لكل عربي أن يتساءل اليوم عن السبب الذي منع كل من الرئيس جمال عبد الناصر وجلالة الملك الحسين بن طلال من تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة بعد توقيع اتفاقيات الهدنة مع إسرائيل عام 1949، وقبل احتلال هاتين المنطقتين من قبل إسرائيل عام 1967؟


أسباب سقوط قرار وحدة الضفتين


تؤكد الدراسات أن قرار وحدة الضفتين كان خطأً استراتيجياً وضربة موجعة للقضية الفلسطينية وخدمة لمشروع الوطن البديل، واعتداء على حقوق الأردنيين، وكان وما زال السبب الرئيس في جميع أنواع الصراع بين النظام الأردني من جهة، والفلسطينيين ومعهم جميع الدول العربية من جهة أخرى. فقد كان ذلك القرار باطلاً وما بني على باطل فهو باطل. فقد كان قرار الوحدة معاكساً لرغبة زعماء فلسطين بقيادة الحاج أمين الحسيني والهيئة العربية العليا لفلسطين ومعاكساً لسياسة جميع الدول العربية والتي كانت وما زالت تقضي بعدم تجنيس الفلسطينيين بجنسيات الدول العربية المضيفة، من أجل الإبقاء على الهوية الفلسطينية حيَّة حتى التحرير. ومن أبرز الأحداث التي أبطلت شرعية قرار وحدة الضفتين ما يلي:


أ. اغتيال جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين عند دخوله المسجد الأقصى المبارك للصلاة يوم الجمعة 10 تموز 1951 من قبل الفلسطينيين احتجاجاً على قيام الوحدة.


ب. المظاهرات الاحتجاجية المتكررة قبل الوحدة وبعدها ضد النظام الأردني وضد الوحدة في كافة المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين.


ج. اغتيال رئيس وزراء الأردن هزاع المجالي في انفجار مبنى رئاسة الوزراء في عمان يوم 19 آب 1960.


د. قيام حرب أيلول 1970 بين المنظمات الفلسطينية والنظام الأردني، وارتكاب تلك المنظمات كافة أنواع الممارسات الإرهابية ضد الدولة الأردنية ومواطنيها. وقد أعلنت تلك المنظمات العصيان ونادت بإسقاط النظام وأعلنت عن عزمها على تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين.


ﻫ. اغتيال رئيس وزراء الأردن وصفي التل يوم 8 تشرين الثاني 1970 من قبل عناصر فلسطينية معروفة انتقاماً من النظام الأردني لأنه نجح في إخراج المنظمات الفلسطينية من الأردن عام 1970، وإفشال مؤامرة الوطن البديل.


و. جرت عدة محاولات فاشلة لاغتيال الملك الحسين بن طلال والاعتداء على أفراد الأسرة الهاشمية وعدد من الشخصيات والقيادات الأردنية من قبل عناصر المنظمات الفلسطينية في الأردن، وكانت تلك المحاولات تعبيراً صارخاً عن معارضة تلك المنظمات لسياسة النظام الأردني تجاه القضية الفلسطينية، وعن رغبة تلك المنظمات في إنهاء الوحدة بين الأردن وفلسطين، وانتزاع مهمة الإشراف على الفلسطينيين المقيمين في الأردن من السلطة الأردنية.


ز. قرر المؤتمر الشعبي الفلسطيني PPC الذي كان يتألف من المجلس الوطني الفلسطيني PNC ونشطاء فلسطينيين آخرين يمثلون مختلف التنظيمات السياسية والنقابية، قرروا في اجتماعهم في القاهرة في 6/4/1971 إقامة جبهة تحرير وطنية فلسطينية – أردنية لإزالة نظام الحكم في الأردن.


ح. أعلنت المنظمات الفلسطينية عن تفاصيل إستراتيجيتها الجديدة لإسقاط النظام الأردني والتي وضعتها وأصدرتها في أيلول 1971 في كتاب بعنوان "المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني" بإشراف الدكتور نبيل علي شعث وتأليف خليل هندي، فؤاد بدراشي، شحادة موسى، ومن أبرز نصوص تلك الإستراتيجية: "إعداد برنامج لإسقاط النظام الأردني من خلال بناء الحزب، والجبهة الوطنية، والتعبئة الجماهيرية، واستعمال العنف"، وقد نجحت المقاومة الفلسطينية في تحقيق جميع هذه العناصر على الساحة الأردنية منذ عام 1971 وحتى اليوم (2013)، وظهر ذلك جلياً في قيادة الحراك الأردني خلال عام 2011 وعام 2012، حيث نادت بعض عناصر هذا الحراك بإسقاط النظام الأردني.

ألا تكفي هذه الأحداث المأساوية لإقناع النظام الأردني بضرورة استكمال تطبيق قرار فك الارتباط، وفصل الهوية الوطنية الأردنية عن الهوية الوطنية الفلسطينية، ووضع حدٍ لأسباب هذا الصراع بين الأردن وفلسطين بدلاً من التفكير في إقامة اتحاد فدرالي أو كونفدرالي جديد بين الأردن وفلسطين؟


ط. مقترحات عدنان أبو عودة حول العلاقة الأردنية الفلسطينية والتي صدرت في كتابه باللغة الإنجليزية عام 1999 بعنوان «الأردنيون، الفلسطينيون والمملكة الهاشمية في الشرق الأوسط» ويقع في 294 صفحة بدعم من المعهد الأمريكي للسلام. فقد تجاهل أبو عودة في كتابه نهائياً قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، وطَرَحَ فكرة توطينهم في الدول العربية التي يقيمون فيها حالياً. كما تضمن كتابه جملة من الأفكار التي اعتبرت المملكة الأردنية الهاشمية كياناً مصطنعاً ولا يملك مقومات الدولة.

كما دعا أبو عودة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم في الأردن، ودعوة النظام الهاشمي إلى عدم الاعتماد على الشرق أردنيين كقاعدة قوة للنظام؛ كما شكك أبو عودة بجميع الرموز الوطنية والمعارك التاريخية البطولية، ودعا إلى قمع الحركة الوطنية الشرق أردنية لكي لا تعيق عملية دمج الفلسطينيين وتوطينهم في الأردن. وقد عملت الحكومات الأردنية المتعاقبة على تطبيق مقترحات عدنان أبو عودة حرفياً.


ثالثاً: تهميش الأردنيين وإقصائهم وإفقارهم:


يشير تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية إلى أن الدولة الأردنية منذ نشأتها في عام 1921 كانت مفتوحة للمهاجرين والوافدين من مختلف الدول العربية تحت شعار العروبة، والكفاح المشترك ووحدة المصير. وكان يمكن للأردنيين أن يرحبوا باستضافة الوافدين في مرحلة تأسيس الإمارة لو اقتصر دورهم على العيش الآمن مع السكان الأصليين بشكل طبيعي، إلا أن سياسة الانتداب البريطاني على شرقي الأردن قد أعطت الوافدين الأولوية في إشغال المناصب العليا في الدولة على حساب المؤهلين من السكان الأصليين، مما أثار غضب الأردنيين واحتجاجهم على هذه السياسة الاستعمارية، وطالبوا من خلال الثورات الشعبية والمؤتمرات الوطنية بضرورة أردنة أجهزة الدولة واحترام حق الأردنيين في إدارة شؤون بلادهم.


فقد ورد في كتاب «تاريخ الأردن المعاصر (عهد الإمارة)» لمؤلفه الدكتور علي محافظة، أن عدد الوزارات التي تألفت في عهد الإمارة بلغ ثماني عشرة وزارة، تولى رئاستها ثمانية أشخاص من غير الأردنيين، ثلاثة من أصل فلسطيني، وثلاثة من أصل سوري، وواحد من أصل حجازي، وواحد من أصل لبناني. وبلغ عدد الذين تولوا مناصب وزارية في هذه الفترة ثمانية وأربعين وزيراً بما فيهم رؤساء الوزارات موزعين على الشكل التالي: 17 وزيراً من أصل أردني، 13 وزيراً من أصل فلسطيني، 8 وزراء من أصل سوري، 4 وزراء من أصل حجازي، وزيران من أصل عراقي، وزيران من أصل بريطاني، وزيران من أصل لبناني.


وورد في كتاب «الشعب الأردني والشعب الفلسطيني» لمؤلفه الدكتور سعيد التل أن الأشخاص الذين تولوا رئاسة الوزارة الأردنية منذ تأسيس الدولة الأردنية سنة 1921 وحتى عام 1999 هم ثلاثة وثلاثون رئيساً منهم عشرة أردنيون، وخمسة أردنيون من أصل سوري، واثنا عشر أردنياً من أصل فلسطيني، وأردني واحد من أصل لبناني، وخمسة أردنيين من أصل حجازي.


والذين تولوا رئاسة الديوان الملكي الهاشمي منذ نشأة الدولة الأردنية وحتى عام 1999 اثنان وعشرون رئيساً، منهم ثلاثة عشر أردنياً، وستة أردنيين من أصل فلسطيني، وأردنيان من أصل حجازي، وأردني واحد من أصل عراقي. أما الذين تولوا رئاسة مجلس الأعيان منذ إنشائه في سنة 1947 وحتى عام 1999 ثمانية رؤساء منهم أربعة أردنيون من أصل أردني، وأربعة أردنيون من أصل فلسطيني.


والذين تولوا رئاسة مجلس النواب منذ نشأته سنة 1947 وحتى 1999 تسعة عشر رئيساً، منهم أحد عشر أردنياً، وستة أردنيون من أصل فلسطيني، وأردنيان اثنان من أصل سوري.


تؤكد هذه الأرقام والحقائق ممارسة استراتيجية تهميش الأردنيين وإقصائهم عن المناصب العليا في إدارة البلاد، والاعتماد على الوافدين واللاجئين والمهاجرين تحت شعارات القومية العربية وغيرها من الشعارات الوهمية. فلماذا ينفرد النظام الأردني دون غيره من البلدان العربية بتطبيق هذه السياسة المنحازة للغرباء على حساب السكان الأصليين، بينما لم يتول أردني واحد عملاً إدارياً في أي حكومة عربية ولو برتبة آذن؟

وتذكر بعض الأقطار العربية في تشريعاتها بأن لا يتولى المسؤولية العامة، سياسية أو إدارية، إلا إذا كان من السكان الأصليين وغير وافد من الأقطار العربية الأخرى. وهل النظام الأردني أشد وطنية وأعمق قوميةً وأكثر حرصاً على العروبة والقضية الفلسطينية من غيره من الأنظمة العربية ليمارس هذه السياسة الشاذة عن الأعراف السياسية والوطنية والقومية؟

وقد ولّدت هذه السياسة التهميشية والإقصائية للأردنيين استياءً شديداً بين السكان الأصليين وتراكمات الاحتقان والغضب انفجرت في الحراكات الشعبية لعام 2011، وما زالت مستمرة في عام 2013م.


رابعاً: الفهم الخاطئ لمصطلح "الوحدة الوطنية":


يجب أن لا ينسى الأردنيون والفلسطينيون أن الوحدة الوطنية لا تعني الوحدة بين شعبين مختلفين تاريخياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً يقيمون في دولة واحدة لأسباب استثنائية مؤقتة، وإنما تعني الوحدة بين مكونات السكان الأصليين لكل شعب على أرضه الخاصة ودولته، كأن نقول بضرورة الوحدة الوطنية بين حركات المقاومة الفلسطينية المختلفة وبخاصة بين "حماس" و"فتح" وحركات المقاومة الأخرى. وهل نسي المدافعون عن سياسة دمج سياسة الشعبين الأردني والفلسطيني في دولة واحدة أن جميع عمليات الوحدة والدمج التي تمت على الساحة العربية بين دول مستقلة خلال الستين سنة الماضية قد فشلت؟ فكيف لهذه الوحدة أن تنجح بين شعب الأردن المستقل وشعب فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل؟


كما برزت في عام 2011 في عدد من الدول العربية حركات داخل كل دولة قطرية تطالب بالانفصال عن جسم الدولة القطرية والتمتع بالهوية الوطنية المستقلة على أسس عرقية أو طائفية أو دينية أو ثقافية أو عشائرية، ومن هذه الدول: الأكراد في شمال العراق، والأمازيغ في الجزائر، وانفصال جنوب السودان عن شماله، والمطالبة بانفصال اليمن الجنوبي عن شماله، وانفصال شرق ليبيا عن غربه، وانهيار الاتحاد السوفييتي وعودة معظم جمهورياته إلى هويتها الوطنية واستقلالها الكامل وانفصال جمهورية الشيكيا عن سلوفاكيا في عام 2011.


وما دامت مطالب هذه الحركات مشروعة للتمتع بهويتها الوطنية المستقلة ضمن إطار الدولة القطرية نفسها، فلا يحق لأحد أن يسلب حق الشعب الأردني أو الشعب الفلسطيني في التمتع بخصوصيته المشروعة واستقلاليته المعترف بها عربياً ودولياً. فقد أكَّدت الحقائق أن وحدة الضفتين قد أَضَّرت بالشعب الأردني وبالقضية الفلسطينية وحققت جزءاً كبيراً من أهداف إسرائيل والصهيونية العالمية بتوطين الفلسطينيين خارج فلسطين. كما ثبت أنه لا يمكن أن تذوب الهوية الوطنية القطرية لشعب عربي بالهوية الوطنية لشعب عربي آخر مهما كانت الظروف والأحوال. فقد أصبحت الدولة القطرية العربية منذ عام 1916 حقيقة واقعية أكيدة وعنيدة لا يمكن القفز عنها أو إلغائها.


إن هجرة اللاجئين أو الوافدين أو المهاجرين الطوعية أو القسرية إلى الأردن لا تعطيهم الحق، تحت أي ظرف من الظروف، السيطرة على حقوق السكان الأصليين في الأردن، وسلبهم جهودهم ومواردهم وتشريدهم والقضاء على هويتهم الوطنية، ودفعهم إلى قعر الاقتصاد القومي والوطني، مثل ما فعل اليهود بالفلسطينيين في فلسطين. إن التهاون في حماية حقوق السكان الأصليين في الأردن جريمة.


ومن تأثير قدوم اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن وإقامة الوحدة بين الضفتين عام 1949 تراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الأردن، حتى أن البيان الوزاري الذي قدمته حكومة الدكتور فوزي الملقي إلى مجلس النواب في 24 أيار عام 1953م تضمن صرخة عالية حيث قال: "مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي آخذ بالتدهور سنة بعد أخرى، ولهذا التدهور مظاهر شتى قد يكون من أبرزها البطالة المتفشية بين السكان، وهبوط مستوى المعيشة بشكل مخيف، وشلل حركة العمال، ونقص ملحوظ في كمية العملة المتداولة، وتقهقر إلى الوراء في مقادير الإنتاج في الحقلين الزراعي والصناعي، مما أدى إلى اتساع الهوّة في الميزان التجاري بين الواردات والصادرات. إن من رأي الحكومة أن هذا الوضع الاقتصادي الراهن مرتبط ارتباطاً كلياً بمشكلة اللاجئين والوافدين، وهو نتيجة طبيعية للأوضاع السياسية التي نتجت عن قضية فلسطين ووحدة الضفتين".


"إن وجود نصف مليون نسمة من السكان بلا موارد أساسية وبلا عمل منظم دائم، في بلد لا تكفي إمكانياته الاقتصادية إلا لتأمين مستوى اقتصادي دون الوسط لا شك في أنه عامل رئيسي في إيجاد هذا التدهور الاقتصادي وهذه البطالة المتفشية بين السكان. فالمشكلة الاقتصادية في رأينا هي في الحقيقة مشكلة سياسية ولا يمكن حلّها حلاً مستقراً إلا بحل قضية فلسطين وبعودة اللاجئين إلى ديارهم وأملاكهم".


كيف ينظر الأردنيون إلى اللاجئين والوافدين إلى الأردن


الشعب الأردني رَحْبٌ بما يملك من معاني الأخوة العربية بكل القادمين من الدول العربية التي تمثّلت بترحيب الأردنيين بالقادمين من الشيشان والشركس ودول البلقان بعد الثورة البلشفية وآثارها، ولكن هذا الترحيب يجب أن لا يؤدي إلى إلغاء هوية الأردن وهوية شعبه الأصلية وتحويلهم إلى هنود حمر وفقاً للمعادلة التي تروجها العصابات الصهيونية الذين أقنعوا العالم بأن فلسطين أرض بلا شعب من أجل الاستيلاء عليها أمام أنظار شعوب العالم وتواطؤ الدول الكبرى، وتخلف الأمة العربية. ووفقاً للمعادلة التي تروجها العصابات الصهيونية بأن الأردن أرض بلا شعب، من أجل إنجاح تهجير الفلسطينيين إليها على سبيل التوطين الدائم من أجل إتمام مخطط التصفية الرهيب على حساب فلسطين وشعبها، وعلى حساب الأردن وشعبه وهويته، وعلى حساب الأمة العربية والإسلامية كلها. ويتواطأ مع هذا المخطط قطاع واسع من الفلسطينيين وفئات قليلة من الأردنيين المنتفعين، ويروجون لقبول الفلسطينيين خارج فلسطين مما يؤدي إلى ضياع الأردن وفلسطين معاً.


ويرى الدكتور رحيّل غرايبة في مقالته المنشورة في صحيفة العرب اليوم في 8/6/2012 "إن الحديث بين بعض المثقفين الأردنيين وغير الأردنيين عن الدولة الأردنية باعتبارها نتيجة لعوامل غير أردنية حديث غير أمين. فهذه العوامل موجودة لدى جميع الدول، وقلما توجد دولة حديثة لم تلعب العوامل الخارجية دوراً في قيامها. إن الدولة الأردنية، كما الدول الوطنية الأخرى، لها نواتها الداخلية وشرعيتها الوطنية الخاصة بشعبها ومجتمعها وحركتها الوطنية. وهي حقيقة بدهية حُرِمَت الدولة الأردنية من الاعتراف بها نتيجة الإلحاج على كونها نتيجة فرعية للثورة العربية الكبرى، أو نتيجة الإلحاح المضاد على أنها صنيعة الإنجليز وأنها "كيان عازل"... الخ. إن الصحوة الأردنية اليوم ترفض الخضوع لهذه الأفكار، وترى في الدولة الأردنية محصلة لإرادة ونضال الشعب الأردني منذ مؤتمر أم قيس 1920 حتى اليوم".


إن اعتبار الأردن "مجتمع مهاجرين" منافٍ للمعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ميزت هذا البلد في إطار الشام، ويصطدم بالشرعية التاريخية للوطنية الأردنية المعبّرة عن مجتمع متميز، وسيادة معترف بها عربياً ودولياً وعلاقات وجغرافيا اجتماعية كانت قد تبلورت قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية.


إن الوطنية الأردنية ليست طاردة ولا متعصبة، فقد أدمجت المهاجرين الراغبين في بُناها الاجتماعية والسياسية والثقافية قبل عام 1948. ولكن تم ذلك تحت سيادتها وفي إطار هويتها، لا منابت ولا أصول ولا هويات في الأردن، وإنما هوية وطنية واحدة ليس أمام أي مهاجر بغض النظر عن ظروف هجرته، سوى الانضواء غير المشروط فيها، ووفقاً لمتطلبات الشرعية الوطنية التاريخية لمن نحتوا هذا الوطن في الصخر منذ الحارث الأول. أما الدعوة الجديدة التي برزت بعد عام 1949 لاحترام الوحدة الوطنية بين جميع المقيمين في الأردن من سكان أصليين ولاجئين ووافدين ومهاجرين فلسطينيين، فهي دعوة لإزالة الهوية الوطنية الأردنية والكيان الأردني نهائياً، واعتبار الفلسطينيين المقيمين في الأردن أردنيين بكامل حقوق الجنسية بعد أن وصل عددهم أكثر من نصف عدد سكان المملكة وأصبحوا يملكون 85% من الاقتصاد الأردني.

وأكبر دليل على استمرار هذه السياسة أن نظام انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني يسمح بإجراء انتخابات مباشرة للفلسطينيين أينما كانوا في أراضي الشتات، باستثناء الأردن، وخصص للمواطنين الفلسطينيين المقيمين في الأردن 65 مقعداً يتم اختيارهم بالتوافق بين الفصائل. وإعلان النظام الأردني بأن الانتخابات النيابية للمجلس السابع عشر تقوم على أساس قانون الانتخاب الجديد، متجاهلاً أن هذا القانون مرفوض أردنياً لأنه يعتبر الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية يملكون حق التصويت على قدم المساواة مع الأردنيين من السكان الأصليين.

وما دام قانون الانتخاب الأردني غير ديمقراطي فلا بدَّ أن تكون العملية الانتخابية غير ديمقراطية. فلا يجوز إشراك الفلسطينيين المقيمين في الأردن بالعملية الديمقراطية السياسية الأردنية لأن الانتخابات بمختلف أنواعها ومستوياتها من حق السكان الأصليين وحدهم.


إن الرسالة التي يعطيها النظام الأردني للعالم بأن كل من يعيش على الأرض الأردنية هو مواطن أردني هي رسالة خاطئة، لأن جميع الفلسطينيين الذين حملوا الجنسية الأردنية بموجب قرار وحدة الضفتين في عام 1949 قد سقطت جنسيتهم الأردنية مع سقوط جميع مبررات قيام الوحدة أردنياً وفلسطينياً وعربياً ودولياً وجاء قرار فك الارتباط متأخراً في عام 1988 ليرسخ هذا السقوط بصورة مشوهة. والحديث يدور الآن في الأردن عن تجاهل ما يقارب الثلاثة ملايين فلسطيني يقيمون في الأردن ويتمتعون بالجنسية الأردنية، وهو ما يشكل وجهاً حقيقياً لمؤامرة الوطن البديل التي تعمل إسرائيل والدوائر الغربية والقيادات الأردنية والفلسطينية على استكمال تنفيذها.


إن على الدولة الأردنية أن تعلن فوراً ومن دون إبطاء عن مطالبتها العلنية بعودة كل فلسطيني يقيم على الأرض الأردنية سواء من يحمل الجنسية الأردنية أم من لم يحملها إلى وطنه الأصلي والوحيد فلسطين، حيث قررت جامعة الدول العربية في عام 1949 اعتبار الضفة الغربية وديعة لدى المملكة الأردنية الهاشمية ريثما تتم التسوية النهائية لقضية فلسطين وقد تمت هذه التسوية بتأسيس الدولة الفلسطينية في فلسطين.

وهل المطلوب من الأردنيين الانتظار ستين سنة أخرى حتى يتم تحريرهم من نتائج وحدة الضفتين وأن يتمتعوا بحقهم وكرامتهم في وطن حرٍ مستقل؟ فقد نصّ البند (2) من قرار مجلس الأمة الأردني بوحدة الضفتين الصادر يوم الاثنين 24 نيسان 1950م على ما يلي:


«تأكيد المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة في نطاق الأماني القومية والتعاون العربي والعدالة الدولية».

أليست الانتخابات الفلسطينية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في عمان هي الفرصة التاريخية أمام الفلسطينيين المقيمين في الأردن لممارسة حقهم في انتخاب ممثليهم في هذا المجلس؟ وأن رفضهم ممارسة هذا الحق هو الدليل على مشاركتهم في تحقيق مؤامرة الوطن البديل في الأردن.


فالانتخابات حق شخصي للمواطن الفلسطيني أينما كان، ولا يجوز لدولة أخرى أن تصادره، وإن فعلت، فإنها تكون قد أدخلت نفسها في دائرة الشبهات، وأن ممارسة الفلسطيني لحقه الانتخابي في كل مناطق الشتات يعطي رسالة واضحة للعالم بأن الفلسطيني المشرد من أرضه لا يقبل إلا بالعودة إليها. ولماذا تسمح الدولة الأردنية للمواطنين العراقيين والمصريين والمغاربيين بالمشاركة في انتخابات بلدانهم ولا تسمح للفلسطينيين؟ أليس السماح للفلسطينيين بممارسة هذا الحق يُعدُّ صوناً للهويتين الأردنية والفلسطينية ويغلق كل الأبواب والأبواق التي تنادي بالوطن البديل للفلسطينيين في الأردن؟ أليس تمتع الفلسطينيين في الأردن بالجنسية الأردنية ومنافسة الأردنيين على حقهم في عضوية المجالس البلدية والنيابية ومجلس الوزراء ومجلس الأعيان وبقية مراكز الدولة المدنية والعسكرية هو تجسيد للوطن البديل للفلسطينيين؟


من هو الأردني ومن هو الفلسطيني؟


تم تعريف الأردني بأنه: «كل شخص كان يعيش في المملكة الأردنية الهاشمية مدة سنتين على الأقل ويحمل الجنسية الأردنية قبل 15/5/1948». ويأتي هذا التعريف منسجماً مع تعريف الفلسطيني الوارد في نص المادة السادسة من الميثاق الوطني الفلسطيني وهو كما يلي: «الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من خرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني. إن الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء».


وتقول المادة السابعة من الميثاق الوطني الفلسطيني حول الهوية الوطنية الفلسطينية ما يلي: «وإن الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين حق ثابت، وأن تنشئة عربية ثورية واتخاذ كافة وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً، وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير واجب قومي». وقد أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية الموسوعة الفلسطينية في عام 1990 تتكون من (12) مجلداً لتوثيق مسيرة الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية المستقلة القائمة منذ فجر التاريخ ما دام هناك شعب يقول كل فرد من أفراده بحزم وعزم وإصرار "أنا فلسطيني". وتدعو الموسوعة الفلسطينية إلى بلورة عمل فلسطيني خاص يتسلم فيه الفلسطينيون زمام قضيتهم بأيديهم وبشكل مباشر ودون توسط.


كما ورد في الموسوعة أن الفلسطيني يتسم بسمات وخصائص هي:


1. التمسك بشخصيته الفلسطينية رغم كل الحروب والغزوات والظروف.


2. تمسكه بأرضه وتراثه رغم كل التحديات.


3. حبه للعمل واحترامه للزمن وتقديره للعلم.


4. محافظته على أسرته رغم المحاولات لتفتيته أو إدماجه بشعوب أخرى.


5. إصراره على إقامة دولته المستقلة وتصميمه على حق العودة إلى وطنه.


كما ورد في الموسوعة الفلسطينية بقلم الدكتور فايز الصايغ حول مشكلة فلسطين ما يلي:


"إن جوهر المشكلة الفلسطينية هو مصير شعب ومصير وطنه. إنه الغزو التدريجي والاستيلاء المستمر على البلاد بأسرها بالقوة العسكرية. إنه تجريد أكثرية السكان الأصليين من ممتلكاتهم بالقوة وتشريدهم، وإخضاع المتبقين منهم. كما أنه استقدام المستعمرين الأجانب على نطاق جماعي لكي يحلوا محل المطرودين وينشروا لواء الاستبداد على المهزومين. وهو إلى جانب ذلك استعمار المستوطنين الأجانب لكل من الأراضي الخاصة المنزوعة ملكيتها والموارد القومية التي تمّ الاستيلاء عليها من الشعب المغلوب. إن جوهر المشكلة هو حقاً القضاء على المجتمع الفلسطيني الأهلي بأبنائه من العرب، المسيحيين والمسلمين، واستبداله بمجتمع من اليهود المنقولين وكيان سياسي أجنبي، حيث يعتبر هذا الكيان نفسه بمثابة طليعة "الأمة اليهودية" التي تنتشر حالياً في شتى أنحاء العالم، لكنها تعلن عزمها على التجمع في وقت ما داخل الأرض المستولى عليها".


وفي ضوء هذا التعريف لمن هو الأردني؟ ولمن هو الفلسطيني؟ فإن النظام الأردني قد ارتكب جريمة سياسية وقانونية بحق الأردن وفلسطين عندما أقام وحدة الضفتين عام 1949، واستمر حتى يومنا هذا في محاولاته لدمج الشعبين الأردني والفلسطيني في هوية واحدة وجنسية واحدة، ومن واجبه الآن إلغاء آثار تلك الجريمة بقوننة قرار فك الارتباط بحيث يتم الفصل النهائي بين الأردنيين والفلسطينيين. فمن واجب الفلسطيني أينما كان أن يعتز بجنسيته الفلسطينية. ومن واجب الأردني أن يعتز بجنسيته الأردنية.


خامساً: تأثير الأحزاب السياسية السلبي على الهوية الوطنية الأردنية:


من الأخطار التي تهدد الأمن الوطني الأردني أن تستمر الصراعات الحادة والاختلافات العميقة التي سادت الواقع الحزبي خلال الستين سنة الماضية، والذي يتمثل فيما يلي:


أحزاب التيار اليساري وعددها تسعة أحزاب.
أحزاب التيار القومي وعددها خمسة عشر حزباً.
أحزاب التيار الإسلامي وعددها ثلاثة عشر حزباً أو جماعة.
أحزاب تمثل توجهات إقليمية أردنية وأحزاب تمثل توجهات إقليمية فلسطينية.
أحزاب تمثل الشِلَل السياسية الملتفة حول الشخصيات السياسية.
أحزاب تحركها وقد تمولها بعض الدول العربية أو الأجنبية.


وعندما قرر النظام السياسي الأردني العودة إلى الديمقراطية عام 1989 بعد تعطيلها في عام 1958، وتم ترخيص هذه الأحزاب بموجب القانون الجديد، تشكلت تلك الأحزاب من أطياف عديدة. وهي إما أحزاب عقائدية عريقة عادت مع انشقاقاتها المتعددة، وإما تنظيمات فدائية عادت للعمل الحزبي، وإما أحزاب وسطية جديدة على الساحة الأردنية تختلف مع ما استقر في ضمير النخبة، وهي تعاني مما تعاني منه الأحزاب العريقة من فردية وفئوية أو جهوية.


وحول تقييم التجربة الحزبية العقائدية في الأردن، ورد في خطاب جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال في عام 1992 ما يلي:


1. إن معظم التنظيمات السياسية لم تلتزم آنذاك بالضوابط الشرعية المتعارف عليها حينما كانت مواقف قواعدها في الداخل محكومة بمواقف وتوجيهات قيادتها من خارج الوطن. فقد كانت مرجعيات تلك الأحزاب غير أردنية، أو تأخذ توجيهاتها وتمويلها من الخارج ولم تكن برامجها وأهدافها أردنية. وهذا غير مقبول على الإطلاق. فالحزب الشيوعي في الأردن فرع من الحزب الشيوعي في كثير من بلدان العالم. وحزب البعث في الأردن فرع من حزب البعث في العراق أو في سوريا. وحزب جبهة العمل الإسلامي لديه ارتباطات بأحزاب إسلامية في بلدان كثيرة من العالم. والمطلوب أن يكون الحزب أردنياً في برامجه وأهدافه وانتمائه وتمويله، وهذا لم يتحقق حتى اليوم مما كان له التأثير السلبي على المسيرة السياسية الحزبية الأردنية وجعل النشاط السياسي الرسمي والحزبي والنقابي يركز اهتماماته على القضايا الخارجية وإهمال القضايا الأردنية الداخلية.


2. إن كل حزب من هذه الأحزاب في تلك الفترة تَصرَّف على أساس أنه وحده دون غيره يمثل الحقيقة، وأنه وحده دون غيره يمتلك الحكمة لخدمة المصلحة العامة.


3. غفلت قيادات هذه الأحزاب في تلك الفترة عن أهم ركن من أركان الديمقراطية وهو أن لا أحد يتفرد بالحقيقة، وأن الإدعاء بالتفرد بها هو لون من التعصب الذي يؤدي إلى هدم الديمقراطية لا ترسيخها أو حمايتها، لأن الديمقراطية تقوم على الحوار.


4. رأى كل حزب في الحزب الآخر خصماً أو عدواً له، بل إن الشطط بلغ ببعضهم حد اعتبار النظام الذي وفّر لهم المظلة الديمقراطية هو العدو الذي يجب تصفيته. وهكذا تحول العمل السياسي من نشاط يخدم المجتمع في ظل الديمقراطية، إلى نشاط همه الوصول إلى السلطة على حساب الديمقراطية والمصالح الحقيقية للمواطنين. كما أن مواثيق بعض هذه الأحزاب تبيح الانقلابات العسكرية كوسيلة للاستيلاء على السلطة.


5. وفي سعيهم للوصول إلى السلطة يسوَّغ هؤلاء لأنفسهم كسر ضابط آخر من ضوابط التعددية السياسية، هو عدم استعمال العنف، فتباروا في محاولاتهم للنفاذ إلى صفوف القوات المسلحة ظناً منهم أنها الطريق الأقصر للوصول إلى غاياتهم.


6. إن حصاد تلك التجربة كان ضرراً كبيراً للوطن وللشعب وللأحزاب ذاتها، وهو الضرر الذي لو تمكن الجميع من تجنبه، ونجح الجميع في عدم وقوعه، لوفر علينا مجتمعين سنوات كثيرة من غياب التعددية التي هي ضمانة الوحدة الوطنية.


وقال أبرز قيادي في حزب البعث في الأردن الأستاذ بهجت أبو غريبة أن أسباب الانشقاق والتفكك والضعف الذي أصاب حزب البعث العربي الاشتراكي تكمن في: «غياب نظرية فكرية واضحة للحزب، والنقص الشديد في الدراسات التي تناولت مبادئ الحزب الرئيسية في القومية والحرية والوحدة العربية والاشتراكية، وإصرار الأمين العام للحزب ميشيل عفلق على رفض العديد من الدراسات التي قدمت من بعض مفكري الحزب واعتبارها لا تمثل عقيدة الحزب القومية. وقد أضعف هذا التفرد القيادة القومية للحزب في إدارة الحزب وفي اتخاذ القرارات المهمة. ومن أسباب الانشقاق والتفكك والضعف غياب الديمقراطية في إدارة الحزب، وسيادة النزعة الفردية بين قياداته على مختلف المستويات الإدارية من الحلقة إلى الفرقة فالشعبة فالفرع فالقطر». وعزا آخرون أسباب تفتت الحزب إلى قبول مبدأ الانقلابات العسكرية طريقاً للوصول إلى الحكم، وعدم قدرة الحزب على تجاوز الأمراض الاجتماعية بين أعضائه من تعصب إقليمي وديني وطائفي وعشائري وجهوي.


يتضح من تقييم جلالة الحسين بن طلال للأحزاب الأردنية في عام 1992 أن تلك الأحزاب كانت غير أردنية وعابرة للحدود من حيث آفاقها وولاءاتها وروابطها وقياداتها وتمويلها، وجاءت نتيجة لإقامة الوحدة بين الأردن وفلسطين عام 1950 وهي: حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، والحزب القومي الاجتماعي، والحزب الشيوعي، وحركة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي.


ويتضح من متابعة ممارسات الأحزاب الأردنية المعارضة منذ عام 2011 وحتى اليوم أن معظم هذه الأحزاب قد اتسمت ممارساتها بنفس السمات التي وردت في خطاب جلالة الملك الحسين عام 1992، وخاضت هذه الأحزاب في عام 2013 انتخابات المجلس النيابي السابع عشر على أساسها. أليس النظام الأردني هو المسؤول عن انتشار هذه الفوضى الحزبية خلال الستين سنة الماضية؟ وهو المسؤول عن اجتثاث أسباب هذه الفوضى من جذورها قبل فوات الأوان. فقد بلغ عدد الأفراد الحاقدين على النظام الأردني والمعارضين لسياساته أكثر من (300) ألف مقاتل يتوزعون على مختلف المدن الأردنية ومخيمات اللاجئين.
سادساً: الإستراتيجية السياسية والإعلامية للأردن:


تأثرت الإستراتيجية السياسية للأردن بالقضية الفلسطينية بسبب تبني القيادة الأردنية لمبادئ الثورة العربية الكبرى، وإقامة وحدة الضفتين في عام 1949، ووقوع الأردن على أطول خط مع إسرائيل، واستقبال الأردن لموجات متتالية من اللاجئين الفلسطينيين، واعتماد الأردن على المساعدات الخارجية التي أثّرت تأثيراً كبيراً في قراره السياسي.


فقد أدى اتحاد الأردن مع الضفة الغربية عام 1949 إلى ربطه بالقضية الفلسطينية ربطاً سياسياً وقانونياً وإدارياً، وأصبحت قضية فلسطين، وليست قضية الشعب الأردني، هي القضية المركزية الأولى في السياسة الخارجية الأردنية. كما أدَّت موجات نزوح الفلسطينيين إلى الأردن إلى خلق واقع اجتماعي جديد، شكَّل قوة ضاغطة على السياسة الخارجية الأردنية في صالح آمال وطموحات الشعب الفلسطيني وعلى حساب آمال وطموحات الشعب الأردني.


وقد تحمل الأردن بسبب هذا الارتباط مسؤوليات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة فوق قدراته وإمكانياته تمثلت في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية بما فيها القدس، وتبني مطالب اللاجئين الفلسطينيين في حق العودة والتعويض والدفاع عن الضفة الغربية. ولم يتوقف الدعم الأردني والتدخل في القضية الفلسطينية بعد ضياع الضفة الغربية عام 1967 وحرب أيلول عام 1970 وصدور قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية الذي صدر عام 1988، بل بقي الأردن محافظاً على سياسته في دعم حقوق الشعب الفلسطيني. وقال جلالة الملك الحسين بن طلال في خطابه عن فك الارتباط مع الضفة الغربية: "فالأردن أيها الأخوة لم ولن يتخلى عن دعم ومساندة الشعب الفلسطيني إلى أن يبلغ غاياته الوطنية بإذن الله".


واستمرت القيادة الأردنية في اعتبار الفلسطينيين المقيمين في المملكة الأردنية الهاشمية جزءاً أساسياً من مكونات المجتمع الأردني ولهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات التي يتمتع بها الأردنيون. كما يقف النظام ضد أية دعوة للفصل بين الهوية الوطنية الأردنية والهوية الوطنية الفلسطينية، والتجاهل الكامل لمطالب الحراك الأردني بضرورة فصل الهويتين فصلاً كاملاً خدمة للقضية الفلسطينية وخدمة للأردنيين. وقد برز شعار "الوحدة الوطنية" في جميع إعلانات الكتل الحزبية التي شاركت في انتخابات المجلس النيابي السابع عشر، ولم يتضمن أي برنامج من برامج هذه الأحزاب الموالية منها والمعارضة المطالبة بقوننة قرار فك الارتباط وفصل الهوية الوطنية الأردنية عن الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد اقتصرت شعارات الكتل الحزبية الانتخابية على تجميل أفكار القيادة السياسية والترويج لها بدلاً من نقدها وتقويمها وترشيدها. كما أن النظام الأردني في دمج الفلسطينيين بالشعب الأردني تحت شعار "الوحدة الوطنية" يتنافى تماماً مع ما ورد في الموسوعة الفلسطينية كما يلي: "إصرار الفلسطينيين على حقهم في العودة ورفضهم محاولات التوطين والإدماج، لأن هذه المحاولات تعني بكل بساطة الإبادة السياسية الجماعية لهم وأزالتهم عن المسرح الدولي".


أهداف الاستراتيجية السياسية والإعلامية الأردنية:


يؤكد الدكتور أحمد الخلايلة أن أهداف الإستراتيجية السياسية والإعلامية والأردنية كانت وما زالت كما يلي:


1. إبراز أهمية الدور السياسي الأردني تجاه القضية الفلسطينية.
2. إبراز دور الهاشميين في الدفاع عن القضايا العربية بما فيها القضية الفلسطينية.
3. إبراز الحقائق التاريخية للقضية الفلسطينية والحقوق العربية في فلسطين.
4. فضح الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.
5. إبراز حجم المعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني نتيجة طرده من أرضه، وإطلاع العالم على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المأساوية.
6. إبراز خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية.
7. إبراز أهمية الدور العسكري الأردني في فلسطين.
8. إظهار مدى تأثير الوضع الأمني في الأردن على القضية الفلسطينية.
يتضح مما تقدم أن القيادة الأردنية قد اعتمدت منذ عام 1947 القضية الفلسطينية، وليست قضية الشعب الأردني المتمثلة بحقه في التحرر من الاستبداد والتهميش والفقر والبطالة والتبعية، القضية المركزية الأولى في استراتيجية السياسة الخارجية للأردن، وما زالت القيادة الأردنية تسير على نفس النهج السابق حتى يومنا هذا دون تعديل أو تطوير أو تغيير، وتعتمد مبدأ غسل الدماغ للأردنيين وإقناعهم بسلامة هذا النهج بالرغم من كل إخفاقاته على الصعيدين الأردني والفلسطيني.


سابعاً: الإستراتيجية الاجتماعية للأردن:


تسعى الإستراتيجية الاجتماعية للأردن لتحقيق الأهداف الاجتماعية التالية:


1. التمسك بالوحدة الوطنية بين فئات المجتمع وعلاقة أردنية فلسطينية متميزة.
2. رفع مستوى التعليم للمواطنين كافة.
3. الرعاية الصحية والاجتماعية لجميع شرائح المجتمع.
4. تعميق الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية.
5. تحسين مستوى معيشة المواطن وصولاً لرفاه المجتمع.
6. العدالة الاجتماعية.
7. تعزيز الشعور بالانتماء والولاء للدولة والثقة بالقيادة السياسية.
8. التماسك الثقافي.
9. تنمية واستغلال الموارد البشرية والمادية.
10. التعددية السياسية والحزبية وتعميق الديمقراطية.
11. دعم البناء الأسري الذي يشكل أساس المجتمع الأردني.


وتمثل هذه المبادئ والأهداف للإستراتيجية الاجتماعية طموحات القيادة السياسية في الأردن، وكانت عاملاً مؤثراً في الاستراتيجية الاجتماعية لمسيرة المملكة خلال الستين سنة الماضية. فقد أعلنت القيادة الأردنية بشكل متواصل عن خططها الورقية لتحقيق آمال الشعب الأردني في مزيد من الرفاه والأمن، وترسيخ النهج الديمقراطي، وتأكيد مبدأ الاعتدال والتسامح، وضرورة الاستمرار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن ممارسات الحكومات الأردنية المتعاقبة أكدت أن ما جرى للشعب الأردني على الأرض كان معاكساً تماماً لمضمون الخطط والشعارات التي كان النظام الأردني يطلقها ضمن الاستراتيجية الاجتماعية للأردن.


فقد وجد الأردن نفسه في السنوات الستين الماضية يواجه إخفاقاً في تطبيق أهداف هذه الاستراتيجية الاجتماعية، ويواجه مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية تمثلت في صراع حاد حول مفهوم الهوية الوطنية الموحدة، وعقبات في طريق المسيرة الديمقراطية المزعومة، واتساع الفجوة بين طبقة الأغنياء والطبقتين الوسطى والدنيا، وغياب العدالة الاجتماعية، وغياب ثقة المواطنين بالنظام، وتراجع شعور المواطنين بالانتماء والولاء للدولة، وشيوع التفكك الاجتماعي، والتراجع في القيم، وشيوع ظاهرة الفساد المكشوف والمستور بمختلف أنواعه، والاعتداء على أملاك الدولة، وتعددية حزبية معادية ومدمرة، حيث بلغ عدد القوائم الحزبية التي تنافست في شهر يناير 2013 في الترشح لمقاعد القائمة الوطنية (61) قائمة حزبية في دولة لا يزيد عدد سكانها عن ستة ملايين وربع المليون نسمة. كما ظهرت عيوب تطبيق الاستراتيجية الاقتصادية التي استندت إلى قواعد الاقتراض المستمر من البنك الدولي، وخصخصة شركات القطاع العام، وشيوع ظاهرة الفساد المالي، وارتفاع الأسعار بشكل لا يطاق، وعجز كبير متراكم في موازنة الدولة، وارتفاع في المديونية إلى درجة خطيرة، ومسيرات احتجاجية يومية وأسبوعية في معظم المدن الأردنية تجاوز عددها (15) ألف مسيرة خلال سنتين تنادي بإصلاح النظام لم تتوقف منذ مطلع عام 2011 وحتى اليوم. ومما يؤكد إصرار القيادة الأردنية على الاستمرار في تطبيق مرتكزات استراتيجيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاشلة إجراء تعديل ثلث مواد الدستور الأردني، وتعديل قانون الانتخاب خلال عام 2012 دون أن تسمح باستكمال تطبيق قرار فك الارتباط.

ووصف أستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد الحموري هذه الإصلاحات الدستورية بأنها إصلاحات شكلية ولا تمس جوهر الصراع والفساد في الأردن.


مقترحات:


في ضوء ما تقدم في هذه الدراسة من حقائق وبيانات فإنني أقدم المقترحات المبينة أدناه للمساعدة في تعديل ثوابت الاستراتيجيات الأردنية لتكون عملية الإصلاح في الأردن شاملة وجذرية وحقيقية وعادلة:


1. أن يتوقف النظام الأردني عن حمل هموم الثورة العربية الكبرى في الوحدة والتحرر والحياة الفضلى، وأن يترك هذا الدور لجامعة الدول العربية.


2. أن يتوقف النظام الأردني عن اعتماد القضية الفلسطينية قضيته المركزية الأولى في السياسة الداخلية والخارجية الأردنية، لأن القضية الفلسطينية هي مسؤولية السلطة الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، والعالم الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة، ولأن هذه الاستراتيجية هي التي جلبت للأردن جميع المصائب والأزمات والحروب الأهلية.


3. أن يعتمد النظام الأردني مصالح السكان الأصليين في الأردن قضيته المركزية الأولى، ويعمل على استكمال تطبيق قرار فك الارتباط بين الشعبين الأردني والفلسطيني، لأنه المفتاح لحل جميع المشكلات التي يواجهها الشعبان.


4. فصل الهوية الوطنية الأردنية عن الهوية الوطنية الفلسطينية، وإلغاء الامتيازات السياسية والقانونية التي تمتع بها الفلسطينيون في الأردن بموجب قرار وحدة الضفتين كخطوة عملية لإفشال مؤامرة الوطن البديل. فقد كان قرار وحدة الضفتين في عام 1949 باطلاً وما بني على باطل فهو باطل.


5. أن يتوقف النظام الأردني عن ممارسة سياسة التهميش والإقصاء ضد السكان الأصليين في الأردن، وإعطائهم حقهم في المشاركة الفعلية في رسم سياسات دولتهم وصنع قراراتها وإدارة شؤونها بأنفسهم، وإخراجهم من حالة الاغتراب التي يعيشونها منذ تسعين عاماً، ولضمان عدم تكرار سلسلة المؤامرات التي حيكت ضد نظام الحكم في الأردن في عام 1952، و14 تموز 1958، وعام 1967، وعام 1970، وعام 2013.


6. أن يسارع النظام الأردني إلى تعديل قانون الانتخاب وقانون الجنسية بحيث يتضمن هذا التعديل حصر المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية، وعضوية مجلس الأعيان وإشغال الحقائب الوزارية، ووظائف الدولة الرسمية العسكرية والمدنية، بالأردنيين من السكان الأصليين أسوة بما فعلته وتفعله جميع الدول العربية مع الفلسطينيين. فكلما أمعن النظام في ترسيخ مبدأ التمثيل السياسي والانتخابي والوظيفي للفلسطينيين في الأردن، كلما تراجعت وتدهورت حقوقهم في العودة والتعويض وتحقيق حل الدولتين، وساهمت في تسريع تحقيق مؤامرة الوطن البديل.


7. أن يتوقف النظام الأردني عن تبني شعار "الوحدة الوطنية" بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني، وأن يتوقف عن التعامل مع الشعبين على أنهما شعب واحد ولهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات. فحقوق الفلسطينيين السياسية هي في فلسطين وليس في الأردن. كما أن شعار "الوحدة الوطنية" بوضعه الحالي، مخالف تماماً لنص المادتين السادسة والسابعة من الميثاق الوطني الفلسطيني، والقرارات الدولية، واعتداء على حقوق الأردنيين في دولتهم. ولن تنجح العملية الديمقراطية ما دامت تتعامل مع الشعب الأردني والشعب الفلسطيني المقيم في الأردن على أنهما شعب واحد ويحكمهم قانون انتخابي واحد. فالأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين.


8. أن يرفض النظام الأردني إقامة اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي أو أي نوع آخر من الارتباط السياسي مع الدولة الفلسطينية لأن جميع الأردنيين يعتبرون إقامة مثل هذا التعاون خيانة للقضية الفلسطينية والقضية الأردنية.

المصادر والمراجع


1- د. أحمد عبدالرحيم الخلايلة، الاستراتيجية الأردنية وارتباطها بالقضية الفلسطينية، المطابع العسكرية، عمان، 1998.
2- د. أحمد التل، الأردن ومؤامرة الوطن البديل، الصايل للنشر والتوزيع، عمان 2013.
3- د. حازم نسيبة، تاريخ الأردن السياسي المعاصر (1952-1967)، منشورات لجنة تاريخ الأردن، عمان، 1990.
4- سليمان موسى، منيب ماضي، تاريخ الأردن في القرن العشرين (الجزء الأول)، عمان، 1959م.
5- سليمان موسى، تاريخ الأردن في القرن العشرين (الجزء الثاني)، (1958- 1995)، مكتبة المحتسب، عمان، 1996م.
6- سليمان موسى، تاريخ الأردن السياسي المعاصر (1961- 1995)، مؤسسة آل البيت، عمان، 1998م.
7- د. علي محافظة، تاريخ الأردن المعاصر (عهد الإمارة)، عمان، 1973.
8- د. علي محافظة، الديمقراطية المقيدة (حالة الأردن: 1989-1999)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001.
9- د. علي محافظة، دراسات في تاريخ الأردن المعاصر (النخب السياسية والأحزاب)، عمان، 2010.
10- صادق الشرع، حروبنا مع إسرائيل (1947- 1973)، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 1996م.
11- ليستر آر براون، أوضاع العالم 1993 و 1995 (باللغة العربية)، ترجمة الدكتور علي حسين عجاج، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، 1995م.
12- محمد جابر الأنصاري ورفاقه، النزاعات الأهلية العربية، العوامل الداخلية والخارجية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997.
13- منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث، "المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني" دراسة تحليلية لهجمة أيلول، بيروت 1971.
14- منظمة التحرير الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، 12 مجلد، بيروت، 1990.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير